مواصفات الرئيس المقبل 1

اختيار الرئيس المقبل لمصر ـ بعد الثورة ـ مسألة في غاية الصعوبة‏,‏ لأننا ـ أولا ـ سنجد أنفسنا ـ لأول مرة في تاريخنا ـ أمام اكثر من مرشح حقيقي‏,‏ وأمام معركة انتخابية ومنافسة حقيقية بين المرشحين‏,‏ وأمام انتخابات حقيقية حرة ونزيهة فعلا‏.

وهذا امتحان للمواطن المصري, لأنه عاش سنوات عازفا عن المشاركة في انتخابات الرئاسة لأنه كان مدركا أن صوته لن يقدم ولن يؤخر, ولم يكن مطروحا أمامه إلا شخص واحد هو الرئيس الذي سيبقي رئيسا شاء من شاء وأبي من أبي, ولم يكن المواطن تخدعه المحاولات الإعلامية للايهام بأن هذه معركة انتخابية حقيقية لاتقل أهمية وجدية وسخونة عن معركة الرئاسة الأمريكية(!)

هذه المرة كل شيء حقيقي.. والحرية حقيقية.. حرية للمرشحين ليتقدم من يجد في نفسه الكفاءة والقدرة, وحرية للناخبين ليعطوا أصواتهم دون أن يكون علي رؤوسهم من يراقب أو يحاسب أو يمنع, أو يزور.. ولم يعد المواطن يطلب ضمانات للحرية من أحد أو من سلطة لأنه الآن هو الضمامن للحرية.. لقد تغيرت مصر.. وتغير المصريون.. وانكسر حاجز الخوف الي الأبد ولن يعود.. والضمان لذلك: ميدان التحرير.

ولم يعد أحد يجهل هذه الحقيقة أو يحاول انكارها أو تجاهلها, وهذا ماجعل رئيس الوزراء يقول صراحة ـ وأمام مجلس الشعب ـ إن الرئيس المقبل لن يحكم بصلاحيات مطلقة, ولن يكون منتميا للجيش, ولن تكون الشرطة مسخرة لحمايته هو ونظامه, ولن تكون له ولاية علي السلطة التشريعية ولن يكون مسيطرا علي الإعلام المرئي والمكتوب, وأضيف الي ذلك أن الشعب لن يتنازل له عن سلطاته,وسيظل الشعب هو مصدر السلطات جميعها ـ ولن يعطيه الشعب تفويضا علي بياض ليكون هو وحده صاحب القرار وسيكون معه من يشاركه في اتخاذ القرار ولايقبل التنازل عن ذلك الحق, سيجد أمامه مجلس الوزراء, ومجلس الشعب, والنقابات, وجماعات المجتمع المدني الوطنية الحرة التي لاتتلقي الوحي من الخارج ولاتأثير لأية جهة عليها بالتمويل أو بالتلقين, وقبل ـ وبعد وكل ذلك سيكون ميدان التحرير هو الفيصل اذا حاول الرئيس المقبل ان يخرج قيد أنملة علي العقد الاجتماعي الذي يمثل المرجعية للعلاقة بين الحاكم والمواطنين علي أساس الديمقراطية, والحرية وحقوق الإنسان, وحق كل مصري في الكرامة والعيش والسكن والتعليم والعلاج.. الخ

من الطبيعي بعد خروج الناس من القفص الحديدي أن يسترد كل واحد منهم احساسه بذاته ويجد في نفسه الرغبة في تأكيد هذه الحقيقة.( أنه أصبح حرا وله حقوق المواطنة) فيتقدم كثيرون كمرشحين للرئاسة ـ محتملين أو غير محتملين ـ وعند الجد يتراجع البعض ويستمر البعض الآخر ويجد المواطن نفسه امام سؤال: نختار من فيهم: والإجابة الجاهزة لدي كل مواطن هي: أن يكون نظيف اليد والقلب واللسان.

وأن يعلن اقرار الذمة المالية الخاص به وبأسرته وبأقاربه حتي الدرجة الرابعة, والمنطقي أن يكون المرشح له تجربة في العمل العام وأن يكون وجها معروفا ومقبولا من الرأي العام, وله تاريخ في العمل العام يشهد له بالقدرة علي العطاء وعلي التفكير, والتخطيط, والإدارة.. وأن يكون مدركا طبيعة التغيرات التي استجدت علي المجتمع المصري, وعلي المنطقة, وعلي العالم.. لابد ان يكون مدركا إدراكا كاملا لموقع مصر من التحولات والقضايا العالمية, ويا ويل مصر اذا كان الرئيس المقبل لايعرف ولايفكر إلا في القضايا والمشاكل المحلية وغافلا عما حولنا من قريب ومن بعيد والتأثير العميق المتبادل بين مصر والعالم.. ومن هنا لابد ان يكون قادرا علي إدارة حوار حضاري مع جميع الأطراف الخارجية, ومؤمنا بأن المشاكل الداخلية والخارجية ليس لها حل إلا بالحوار وبالقدرة علي طرح الحلول والأفكار لهذه المشاكل التي تحقق المصالح الوطنية, ولاتفرط في حق من الحقوق الوطنية ادراكا منه بأنه لايملك التنازل عن شيء لايملكه ولكن يملكه شعب مصر.

والفساد هو هو الشغل الشاغل للمصريين في هذه المرحلة, واذا لم يكن لدي الرئيس المقبل القدرة علي التصدي للفساد والفاسدين فلن يبقي علي معقده طويلا, واذا لم يكن مدركا أن للفساد والفاسدين أنيابا ومخالب وترسانة قوانين سابقة التجهيز وأنصارا ومنتفعين, وبلطجية, وقدرة جهمنية علي المناورة والتلاعب بالمنطق وبالقوانين وقدرة علي شراء الضمائر ـ ضمائر الكبار والصغار, وفقا لقاعدتهم أن لكل إنسان ثمنا. اذا لم يكن الرئيس المقبل محاربا شجاعا لا يتردد في خوض المعارك الصعبة ضد إمبراطورية الفساد فلن يجد من يقف الي جانبه حين تأتي لحظة الغضب الشعبي عليه وعلي الفساد.

وليس هذا كل شيء.


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف