لا يختلف أحد علي ضرورة إعادة هيكلة وزارة الداخلية لكي تساير تطورات العصر, وهناك اجتهادات كثيرة تهدف الي إصلاح وتحديث مؤسسة الشرطة لتعود الي ممارسة دورها الطبيعي في حماية أمن المواطنين, وأمن المجتمع.
وتنهي عصرا فرض عليها فيه أن تكون أداة للقمع وحماية الفاسدين.
والقضية لايمكن اختزالها في إنهاء خدمة أعداد من قيادات الشرطة التي تشبعت بفلسفة العهد السابق ومن المستحيل أن تغير عقليتها وأسلوب عملها, ولكن الأهم هو تغيير عقيدة الشرطة, وتحديد وضعها ومكانتها في المجتمع, وهل هي لخدمة المواطنين أم هي أجهزة للسيطرة والبطش, وهل تعمل وفقا للقانون وغير مسموح لها بتجاوزه, أم هي فوق القانون ومسموح لها بتجاوزات بلا حدود ولارقابة ولا محاسبة؟ وهل هي مؤسسة من مؤسسات خدمة العدالة أم هي مؤسسة من مؤسسات خدمة الظلم والقهر؟ومؤسسة الشرطة هي العمود الفقري للدولة وهي القوة الممثلة لسلطة الدولة, وقد ألقي عليها النظام السابق أعباء فوق طاقتها لحمايته ولمواجهة الغضب الشعبي من انتشار الفساد والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي بدلا من اتباع سياسات تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية, وتوفر للمواطنين الحد الأدني من الاحتياجات الإنسانية والحريات الأساسية كما يحدث في الدول التي تمارس الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي.
نقطة البداية هي تغيير عقيدة الشرطة أي مجموعة القيم والأفكار والمبادئ التي تؤمن بها وتعمل في اطارها, لتحل محلها عقيدة تلزم أجهزة الشرطة وقياداتها وأفرادها بالعمل وفق الدستور والقانون, ولا تسمح بظهور مراكز قوي في داخلها, وأداء وظائفها بمهنية وباحترام لحقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المتهم, بل وحقوق المجرم, فليس هناك إنسان بلا حقوق! ولذلك فإن المطلوب ليس تعديل قانون أو تغيير أشخاص فقط, ولكن المطلوب بالإضافة الي ذلك عقيدة تحرم الاعتداء علي الحريات, واستخدام وسائل غير قانونية وغير إنسانية لانتزاع اعترافات أو لعقاب مطلوبين دون أحكام ورقابة القضاء. مما سجلته تقارير مجالس حقوق الإنسان الحكومية والأهلية, ومنها ـ مثلا ـ الانتهاكات التي رصدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان خلال الفترة من2001 وحتي2009 وشملت: وفاة125 مواطنا نتيجة التعذيب داخل أقسام الشرطة أو سوء المعاملة بالسجون, و118 حالة تعذيب واضطهاد واحتجاز تعسفي في عام2009 وحده, وفي هذا العام صدرت7 أحكام قضائية ضد أفراد من الشرطة في قضايا تعذيب وسوء معاملة تراوحت بين الحبس ستة أشهر والسجن عشر سنوات, وتكشف الدراسات التي أجريت علي نتائج تطبيق الطوارئ أنه لم يمنع الارهاب ولم يقلل معدلات الجريمة, واستخدم فقط كأداة للقهر, وأدي الي تشويه صورة رجال الشرطة في عيون المصريين!وتشير الدكتورة سهير عبدالمنعم استاذة القانون, الي أن شرعية النظام السياسي تتوقف علي كفاءة وجودة الممارسة المهنية في أداء الأجهزة الأمنية, والمصريون يطلقون علي أجهزة الأمن تعبير الحكومة بوصفها تجسد سلطات الدولة الواسعة, كما أنها الجهة التي تحمي حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم من التعدي عليها, مما يجعل المواطن ينظر للتجاوزات من هذه الأجهزة بقدر كبير من الإدانة.. وقد تحملت مسئوليات من اختصاصها عندما استخدمها نظام الحكم السابق أداة للقمع, وهذا ما جعلها تدفع أرواح عدد غير قليل من أفرادها عندما صدرت إليها الأوامر بقمع ثورة الشعب التي تفجرت في25 يناير, وأدت المواجهة الي استشهاد مئات من خيرة الشباب الوطني الثائر.. هذا التصادم بما نتج عنه من ضحايا كان نتيجة عقيدة الشرطة كما وضعها النظام السابق وغرسها في هذا الجهاز الوطني الذي يحفل تاريخه بصفحات ناصعة من التضحيات من أجل الوطن والمواطنين..
لقد أساء النظام السابق إلي الشعب والي الشرطة, والآن حان الوقت لإصلاح ما فسد وإعادة الأمور الي نصابها.
البداية إذن هي غرس عقيدة جديدة للشرطة قبل إعداد الهياكل الجديدة.