بعد الثورة.. اقتصاد جديد
تحذرنا الحكومة كل يوم من الحالة الاقتصادية التى تقول إننا وصلنا إليها، تقول الحكومة إننا فى أزمة اقتصادية، ولديها أدلة على ذلك العجز فى الميزانية، وتناقص الاحتياطى من النقد الأجنبى، و..... و.... غير ذلك كثير.
ومع ذلك فإننا نشاهد إغراق الأسواق بالسلع الاستهلاكية المستوردة حتى السيمون فيميه والفياجرا إلى الملابس والأحذية إلى الفواكة والخضراوات إلى السلع المعمرة وغير المعمرة التى لها مثيل لا يقل عنها جودة من الإنتاج المحلى.. مما يدل على عدم المصداقية لما يقال عن تشجيع الصناعة والمنتجات الزراعية المصرية وأن ثقافة الاستهلاك سيدة الموقف، وسياسات الانحياز إلى طبقة كبار المستوردين والسماسرة ووكلاء الشركات الأجنبية.
غريب أن الحكومة لم تفكر حتى فى زيادة الضريبة الجمركية وضريبة المبيعات على الورادات الكمالية وسلع الاستهلاك الترفى أو فرض رسوم إضافية على تراخيص السيارات التى يزيد ثمنها على نصف مليون جنيه، فمن يدفع نصف مليون أو مليوناً ثمناً لسيارة لن يتألم إذا دفع ألف جنيه أو ألفين زيادة، والحكومة تطالب الناس بترشيد الاستهلاك وهى تعلم ما يقوله علماء الاقتصاد والاجتماع بأن الاستهلاك الفردى هو فى الأول والآخر سلوك اجتماعى، يتشكل طبقاً للظروف والمناخ العام فى المجتمع وللسياسات العامة المؤثرة فى الإنتاج والاستيراد والادخار والاستثمار، وبناء عليه ليس من المعقول أن تساعد سياسات الحكومة على إغراق الأسواق بكل ما فى العالم من أنواع السلع الاستهلاكية والترفية تستوردها شركات الانفتاح التى يملكها حيتان السوق، ثم تطلب من الناس الغلابة أن يتحلوا بفضيلة القناعة أو بفضيلة الادخار وتوجيه المدخرات للمساهمة فى مشروعات التنمية.. والمواطن فى هذه الحالة لا يصدق ما يقال، وهو يرى ظهور فئات اجتماعية تحقق ثراء فاحشا - قبل الثورة وبعد الثورة - ومن أعمال طفيلية مثل الوساطة والسمسرة والاتجار فى الأراضى والتهريب، بالإضافة طبعاً إلى غسيل الأموال وتجارة المخدرات، وفى النهاية ما نراه ويعانى منه الناس من اختلال شديد فى توزيع الدخول بين فئات المجتمع، ويزداد خطر التطلعات الاستهلاكية عند الجميع، فكيف تطالب محدودى الدخل بالقناعة وضبط النفس وترشيد الاستهلاك وكأنهم يعيشون فى مجتمع آخر غير المجتمع الذى يفقأ عيونهم، مجتمع البشوات والبكوات من أصحاب الأعمال الطفيلية غير المنتجة واللصوص والذين جمعوا ثرواتهم باستغلال النفوذ والرشاوى والاستيلاء على أراضى الدولة ومن العمولات فى صفقات وعقود مشبوهة؟.
رأى الخبراء والحكماء
فى رأى الخبراء والحكماء أن الثورة تفرض علىّ إقامة نظام اقتصادى واجتماعى جديد يقوم على التنمية الاقتصادية وزيادة المشروعات الصناعية والزراعية لزيادة الإنتاج وخلق فرص عمل للعاطلين، وتحقيق العدل فى توزيع ثمار هذه التنمية بحيث لا تأخذ فئة كل العائد وتحرم طبقة من كل العائد.. يقول الخبراء والحكماء: إن الحكومة فى مناخ الثورة عليها أن تبدأ بتصحيح الاختلالات فى توزيع الدخول.. كيف؟ من خلال الضرائب والقضاء على الأنشطة الطفيلية، وضبط الاستيراد والتحكم فى موارد الدولة من النقد الأجنبى بما يتماشى مع أولويات التنمية وإحكام الرقابة على المنافذ المفتوحة للتهريب وتسرب السلع الأجنبية التى أغرقت الأسواق، وكادت تقضى على الإنتاج المحلى فى هذا التنافس غير المتكافئ.
ورئيس الوزراء هو فى الأصل من أساتذة التخطيط ومع ذلك لم يبدأ فى الإعداد لخطة لزيادة الادخار والإنتاج بمشروعات جديدة تطرح أسهمها على المواطنين وعندما يشعرون بالجدية سوف يشاركون فى تمويلها وبخاصة عندما لا يجدون بين ملاكها الشخصيات الملوثة التى أفسدت الاقتصاد والسياسة من قبل وهى شخصيات يعرفها جيدا كل مصرى حتى الأطفال، ويعرفون أنهم لا يدخلون فى مشروع إلا للنهب والهرب وتهريب أموالهم.. والمصريون يعرفون جيدا المستثمرين ورجال الأعمال المصريين الجادين أصحاب الأيدى والضمائر النظيفة.
طرح أسهم لمشروعات إنتاجية جديدة مدروسة دراسة جيدة هو الحل للأزمة الاقتصادية بشرط أن تكون هناك سياسة واضحة تحدد التنمية لمن؟ والتنمية بمن؟ وهل التنمية مجرد نمو اقتصادى يصب فى جيوب القلة المحظوظة؟ وهل فى المشروعات الجديدة ما يدل على الاستفادة من دروس السنوات الماضية؟ وهل يمكن أن يكون التخطيط لمصلحة الناس دون إشراكهم فى هذه العملية؟
لقد أثبتت التجربة فى السنوات الماضية أن ترك الحكومة الحبل على الغارب للسماسرة والمغامرين ولصوص المال العام الذين تستروا تحت لافتة رجال الأعمال أدى إلى ما تعلنه الحكومة الآن عن الأزمة الاقتصادية، وتأكد - بعد الثورة - أن الدولة يجب أن تكون حاضرة ومؤثرة فى توجيه الاقتصاد وتقود مشروعات التنمية، وتعلمنا من كوارث السنوات الماضية أن الاستثمار الأجنبى يجب أن نفتح له الأبواب إلا إذا كان موجها لمشروعات إنتاجية وخدمية مطلوبة وتزيد فرص العمل وليس لشراء الأراضى والمصانع لتحويلها إلى خرابات وبيع الأرض والاستثمار العقارى وتحقيق أرباح خيالية وتحويلها إلى الخارج.
هل تعلمنا.. أم نحتاج إلى دروس جديدة