يحاول البعض التقليل من قيمة ثورة52 يناير فيعتبرها( انتفاضة) وليست ثورة, وهي في حقيقتها ثورة شعبية, كانت لها( طليعة ثورية) من الشباب, وشاركت فيها الجموع, ليس في القاهرة وحدها.
بل في سائر المحافظات, وليست في ميدان التحرير فقط, بل في مختلف الميادين, وأيدتها, وتجاوبت معها طوائف الشعب المختلفة..
هي ثورة علي الرغم من محاولات إنكار ذلك, وكان طبيعيا أن يكون الشباب هم الطليعة الثورية, وأول من ضحي ـ بالروح ـ ولم يكن طبيعيا أن يكون غيره هو المستفيد الذي يتصدر المشهد ويجني ثمارها, والشباب هم الأكثر إدراكا لتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنهم كانوا هم أكبر ضحايا هذه الأوضاع, وهم الذين ضاقت بهم السبل بسبب عدم اعتراف القيادات السياسية بحقهم في أن يكون لهم نصيب عادل من الفرص المتاحة في المجتمع, وهم الذين عانوا من التهميش والاستبعاد والمقاومة من القلة التي سيطرت علي الثروة والسلطة, واحتكرت العمل السياسي, وبالغت في القمع, وسدت أبواب الأمل أمام الشباب, ثم فرضت تجميد التركيبة السياسية والاقتصادية, وبدا أن الشباب لم يعد له مكان فازدادت موجات الهجرة علي نحو لم يسبق له مثيل إلي حد القبول بمخاطر الموت غرقا في قوارب الهجرة غير الشرعية.
وكان ذلك بسبب اتساع( الفجوة بين الأجيال).. الجيل القديم يسيطر علي كل المواقع, وكل الفرص, ومتمسك بالبقاء في مكانه لا يريد أن يبرحه, ويرفض التغيير ويكتفي بترديد الكلمة, ولا يقبل بمبدأ تداول السلطة, والأجيال الجديدة تحت الحصار, وقد تكونت في عصر جديد, وتمتلك أدواته وتتعايش مع أفكار وموجات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي لا يعرف ـ ولا يعترف ـ الجيل القديم بقيمتها.. الجيل القديم ينتمي إلي عصر كان الحكام وأصحاب السلطة يحكمون ويتحكمون دون أن يجرؤ أحد علي الاعتراض... والجيل الجديد له ثقافة مختلفة ترفض تزييف الوعي والتمييز في زمن تسود فيه قيمة الإنسان, ويتمسك بحقه في أن يكون له دور في بلده, وأن يجد العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص, وألا تكون المقاعد الأمامية لأصحاب الحظوة وللأبناء والمحاسيب وحدهم ويطالبون بأن تكون الفرص لأصحاب الكفاءة القادرين علي تحويل الأحلام إلي حقائق... وظلت الفجوة بين الأجيال تزداد اتساعا سنة بعد سنة حتي تحولت إلي صراع بين الأجيال, ثم وصلت إلي درجة التصادم, كل ذلك والجيل القديم في برجه العالي لا يري ولا يسمع ولا يدرك... ولا يصدق ويكتفي بتزييف الحقائق ويدعي تحسن مستويات المعيشة للمصريين, بينما يكتوي الشباب بنار البطالة, وارتفاع الأسعار واستحالة الحصول علي عمل أو سكن والحرمان من الزواج وتكوين أسرة.. إلخ ويلمس عكس ما يقال عن نمو الطبقة المتوسطة, وزيادة الخدمات ورعاية محدودي الدخل, بينما الواقع الذي يعيشه يعكس تدهور أحوال الفقراء, وقد ازدادوا فقرا, وتدهور أحوال الطبقة المتوسطة علي الرغم مما يقال عن زيادة أصحاب السيارات الخاصة( بالتقسيط وتحت ضغط صعوبة استعمال المواصلات العامة) وتدهور التعليم والرعاية الصحية... الجيل القديم يعيش في عالم, والأجيال الجديدة تعيش في عالم آخر... الجيل القديم غارق في عالم البزنس والفساد وأوهام القوة والسيطرة والنفوذ... والأجيال الجديدة تختزن مشاعر الرفض, والغضب, وتحاول تأجيل لحظة الانفجار... والمسافة بينهما واسعة, وليست بينهما جسور من الحوار والتواصل... ليس لدي القابضين علي السلطة إلا دعوة الشباب إلي الالتزام بالهدوء والاستسلام لما هم فيه, وترك الأمور لمن بيدهم الأمر والانصراف إلي بيوتهم, وعدم الانشغال بأمور البلد ومستقبلها لأن ذلك ليس من اختصاصهم.. هذا التضييق علي الشباب, وعدم إفساح المجال أمامه هو الذي فجر الثورة, وجعل طليعتها من الشباب تقدم أرواحها من أجل تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لأجيال لها الحق في المشاركة في شئون وطنها..
كل هذا أصبح الآن معلوما ومفهوما وطبيعيا, ولكن الغريب أن الحال مازال, كما هو كما كان إلي اليوم,, الجيل القديم في مواقع السلطة التنفيذية والتشريعية, والشباب في الشارع دون أن يكون لهم ما يستحقونه من الفرص لتحقيق حلم اقامة مجتمع جديد, وهذا حقهم, ويجب ألا ينازعهم فيه أحد.