ما يردده البعض من أن الثورة لم تحقق شيئا من أهدافها ليس معبرا عن الواقع ولكنه يعبر عن مخاوف من أن تتمكن القوي الرافضة والمعادية للثورة من التمكن من اجهاضها كما حدث لبعض الثورات الأخري.
ومع أن هذه مخاوف مشروعة, لأن الرافضين للثورة والمعادين لها يعملون علي عرقلة مسيرتها وإعادة الأمور لما كانت عليه والإبقاء علي أوضاعهم وامتيازاتهم ومصالحهم, ولكن الواقع يشهد بأن هناك أهداف تحققت كانت تبدو من المستحيلات: حل مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية والحزب الوطني, ومحاكمة رموز النظام, وإيقاف العمل بقانون الطوارئ فيما عدا جرائم البلطجة, والسماح بإنشاء الأحزاب بمجرد تقديم طلب, وإجراء انتخابات حرة فعلا ونزيهة, والسماح بالتظاهر السلمي. أما الأهداف التي لم تتحقق فليس من الطبيعي أن تتحقق كل الأهداف في لحظة واحدة, وسنة من عمر الثورة ليست أكثر من لحظة بالنسبة للدول والشعوب. وما دام القطار علي القضبان, ويتحرك دون توقف أو تباطؤ, ويسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق هذه الأهداف, فليس هناك خوف علي الثورة من هذه الناحية كما يتوهم البعض, والضمان لذلك هو وعي الشعب ويقظته وفاعليته لحماية الثورة وعدم انحرافها أو تراجعها أو توقفها.
هناك قوي كثيرة ـ داخلية وخارجية ـ تعمل علي أن تثير فينا الشك والإحباط بكل ما تملك من أسلحة( المال والإعلام والشائعات), ولها أذرع وأعوان منتشرون تم إعدادهم من قبل لمثل ما نحن فيه الآن وكان متوقعا وأعدت لمواجهته خطط محكمة لكن إرادة الله, وإرادة الشعب, سبقت وانتصرت.
هذه القوي موجودة, وستظل موجودة لأن الإدارة السياسية الحالية لم تتخذ كل الاجراءات الواجبة للتخلص منها أو لإحباط محاولاتها ومؤامرتها, ربما كان ذلك عن شعور بالاستخفاف تجاه خطورتها, أو انتظارا إلي حين أن يأتي دورها في ترتيب الأولويات.
وإلي ذلك الحين ستظل القوي المعادية للثورة موجودة تدير( الأحداث المؤسفة) و(الفتنة الطائفية) و(الأزمات الاقتصادية) و(الايقاع بين الشعب وقوته الضاربة والحامية لثورته ولحرية وطنه).. وهي في ذلك تعمل مثل نيرون عندما قاده الجنون إلي إحراق روما وهدم المعبد علي من فيه وهو يصيح( علي وعلي أعدائي).. أما القوي المعادية لثورتنا فإنها تعمل بشعار( علي الثورة فقط) لأنها ضامنة لحياتها وأموالها في الخارج وقد استعدت لهذا اليوم منذ سنوات(!).
ولا ينكر أحد أن هناك أهدافا للثورة لم تتحقق مثل: إلغاء النص في أي قانون يسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية, ومثل استمرار خروج الأموال, ومثل التأخير في فرض حد أقصي لدخل العاملين في الحكومة, والقطاع العام والبنوك وفرض ضرائب تصاعدية ليتحمل الأغنياء نصيبهم من المسئولية, عن إصلاح الخلل الاقتصادي الذي تسببوا فيه, ومثل استعادة الأموال المنهوبة, وإن كانت استعادة هذه الأموال لن تكون سهلة ولن تكون سريعة ـ كما قال لنا الخبراء المصريون والدوليون, ويضربون المثل بما حدث بعد ثورة الشعب في الفلبين علي الدكتاتور( ماركوس) وزوجته( ايميلدا ماركوس) فقد ظلت حكومات الفلبين تعمل علي تتبع هذه الأموال17 عاما وفي النهاية لم تحصل إلا علي20% منها فقط, وكذلك ما حدث في عمليات استرداد أموال السعد والريان التي كانت تقدر بأربعة مليارات دولار وظلت محاولات تتبعها عشرين عاما في عدد من دول أوروبا في حسابات يستحيل الوصول إليها وكل ما أمكن رصده أربعمائة مليون دولار في قبرص وقبل الوصول إليها كانت قد صرفت كما قال السفير جمال بيومي الذي شارك في عمليات استرداد أموال السعد والريان حين كان وزيرا مفوضا في وزارة الخارجية.
ونفهم من ذلك أن استعادة الأموال المهربة ليست سهلة وتحتاج إلي مجهود أكبر من الحكومة, وصبر أكبر منا مادمنا نري أن الحكومة لم تقصر في الاستعانة ببيوت الخبرة المتخصصة في تتبع هذه الأموال المهربة بصور شيطانية.
أهداف كثيرة تحققت, وأهداف لم تتحقق ـ وقطار الثورة مازال يتحرك علي القضبان ـ لم يخرج عنها ـ ويتوجه نحو أهدافه ـ لم ينحرف عنها ـ ومادام قطار الثورة يسير والشعب معه. فسوف تتحقق كل الأهداف. أما المخاوف علي الثورة من محاولات أعدائها للعودة إلي الوراء فهي مخاوف مشروعة, واليقظة واستمرار الدفع الثوري هما الحل.