بدأنا علي الطريق الصحيح بنجاحنا في إجراء انتخابات حرة ونزيهة سوف تقودنا إلي تحقيق الأمن والديمقراطية وهما ضلعان في مثلث التقدم, ويبقي أمامنا أن نستكمل الضلع الثالث وهو تصحيح مسار الاقتصاد وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية وتقريب الفوارق بين الطبقات.
وحين نستكمل هدف المسيرة يمكن أن نقول إن الثورة حققت أهدافها.
تشير التقارير الدولية إلي أن الاقتصاد في دول الربيع العربي تكبد خسائر تزيد علي35 مليار دولار في عام2011 وأن مصر تحملت النصيب الأكبر من هذه الخسائر أكثر مماتحملت ليبيا واليمن وسوريا وتونس.. انخفاض النمو الاقتصادي وانشغال العاملين بالاعتصامات والاحتجاجات وتوقف الإنتاج والمواصلات في عدد من المواقع, ونقص الصادرات, وزيادة الإنفاق الاجتماعي تحت ضغوط المطالب الفئوية, كل ذلك أدي إلي استنزاف مليارات الدولارات من الاحتياطي النقدي, وزيادة العجز المالي بنسبة25%, وارتفاع الأسعار, والمتوقع أن يصل العجز المالي إلي12 مليار دولار في السنة المالية2012/2011 وقد يزيد علي ذلك.
هذا ما يقوله الخبراء وهناك ملاحظات يستحسن ألا نتجاهلها ومنها:
أولا: إن أحداث الثورة كانت امتحانا للمستثمرين الأجانب وقد فعلوا ما كنا نخشاه, قاموا ببيع أسهم في البورصة وأذون خزانة تزيد قيمتها علي16 مليار دولار, وأعلنوا أن هذه الأموال التي خرجت من السوق المصرية ومن البلاد لن تعود إلا بعد عودة الأمن والاستقرار السياسي, أما رجال الأعمال المصريون الذين احتكروا الثروة والسلطة فلم يتقدم منهم أحد لدفع عجلة الاقتصاد المتوقفة, والصديق لا يظهر معدنه إلا في وقت الشدة, أما المنافقون والانتهازيون فهم الذين لا نراهم إلا عند توزيع الغنائم والذين كانوا يتباهون باعتناقهم ماكانوا يسمونه الوطنية الاقتصادية الأمر الذي يدعونا إلي الاعتماد علي مستثمرين حقيقيين وليس علي مغامرين ولصوص المال العام ومن سماهم الدكتور رفعت المحجوب القطط السمان منذ بداية ظهورهم.
ثانيا: لا يستطيع أحد أن ينكر أن الفوارق بين الطبقات اتسعت اتساعا كبيرا جدا بسبب السياسة الاقتصادية التي كانت مطبقة, وفي نفس الوقت فإن الاقتصاد المصري يعاني أزمة تفرض أعباء لا مهرب منها, ولكن يجب ألا يتحمل القدر الأكبر من هذه الأعباء الفقراء والطبقة المتوسطة الصغيرة التي تدهورت أحوالها والتي اعتادت الحكومات السابقة أن تجعلها الضحية وتطالبها بالمزيد من التضحيات, وتعطي المزيد من الامتيازات والاعفاءات لأصحاب الثروات, والمفروض أن يتغير الحال بعد الثورة, والعدالة تقتضي سرعة العمل علي إعادة التوازن إلي المجتمع بأن يتحمل الأغنياء ـ وليس الفقراء ـ نصيبا أكبر من تكلفة علاج الأزمة يتناسب مع ما حصلوا عليه من أموال الشعب بحق وبغير حق, وذلك بدلا من العادة القديمة بإلقاء الخسائر علي الدولة لتتحملها من أموال دافعي الضرائب, ويكون لهم الربح علي طول الخط. وعلي سبيل المثال فإن ترشيد فاتورة دعم المنتجات البترولية والطاقة للشركات المستهلكة للطاقة والتي تحقق أرباحا طائلة كفيل بتوفير مليارات أكثر من المليارات الثلاثة التي تسعي الحكومة إلي اقتراضها من صندوق النقد الدولي, فإذا تم تصحيح الخلل في أسعار المواد البترولية والكهرباء وتقليل الدعم الذي تتحمله الدولة وتزيد به أرباح الشركات.. إذا حدث ذلك فقد تستغني الحكومة عن الاقتراض من الخارج, وهناك إجراءات أخري تعرفها كل حكومة, ولكن الحكومات السابقة بانحيازها للأغنياء لم تطبق شيئا منها, وحكومة الثورة هي التي يحب أن تفعل ذلك.
ثالثا: ليس معروفا لماذا لا تفكر الحكومة في فرض ضرائب تصاعدية لكي تتناسب الأعباء مع مفهوم العدالة وتخفف من مشاعر الغضب الشعبي وكان السبب قبل ذلك معروفا بالنسبة للحكومات السابقة, ويكفي أن نعرف أن بريطانيا ـ وهي من كبري الدول التي تطبق اقتصاد السوق وحكومتها الحالية يقودها حزب المحافظين اليميني تفرض ضرائب تصاعدية تصل في حدها الأعلي إلي ما يقرب من50%, وفي الولايات المتحدة أيضا هذا الاتجاه وعندنا رفض أو تلكؤ لمصلحة الأغنياء, ومن الخبراء من يقترح للإسهام في حل مشكلة العجز في الموازنة بديلا عن الاقتراض من الخارج بفرض ضريبة لمرة واحدة علي الثروة يتحملها من تزيد ثروته علي عشرة ملايين جنيه, وهناك مئات وربما الآلاف ـ حققوا ثروات تزيد علي عشرة ملايين جنيه تكونت بالفساد أو بالحلال, وعليهم واجب الإسهام في حل مشكلة بلدهم.
ليست هذه كل الأفكار للخروج من الأزمة إلي رحاب التنمية.. فهناك المزيد.