4الأمن والاقتصاد‏‏

بعد أن عادت الشرطة بقوة ملحوظة لمحاربة الخارجين علي القانون‏,‏ وبدأ المواطنون يشعرون بالأمن والحماية‏,‏ جاء الوقت للتفكير والمراجعة لفلسفة واستراتيجية الأمن ولإعادة بناء الهيكل التنظيمي للمؤسسة الأمنية.

 وفقا لطبيعة هذه المرحلة التي تتحول فيها البلاد نحو إقامة الدولة الديمقراطية الجديدة.. دولة القانون, وعدم التمييز, واحترام حقوق الانسان.

وقد نبه الخبراء الي أن أزمة جهاز الشرطة كانت بسبب أزمة النظام السياسي, وأن هذا الجهاز ــ مثل أي تنظيم اجتماعي ــ كانت تحركه مراكز القوي التي كانت تتحكم في كل شيء, ويضاف إلي ذلك انعكاس الفساد الذي انتشر وأدي الي ضعف الدولة, وأدي غياب الرقابة واخفاء الحقائق وانعدام الحماية للمال العام الي أن تورطت بعض الاجهزة الموكول اليها حماية الشعب الي انتهاك الحريات وخرق القانون. وتحملت أجهزة الامن فوق طاقتها بأن القت السلطة علي كاهلها مواجهة كل مشكلة وكل أزمة سياسية أو اجتماعية أو رياضية, وكلفتها بتطبيق قوانين جائرة صدرت لزيادة القمع, ووضعت السلطة استراتيجية الأمن علي اساس تغليب الأمن السياسي وحماية النخبة الحاكمة بدلا من ان تكون الاولوية للأمن الجنائي الذي يحقق الأمن للشعب.. ويشير الباحثون أيضا إلي أن معايير السلطة في ادارة أجهزة الأمن لم تكن قائمة علي الكفاءة والمهنية في كثير من الحالات ولكن كانت علي أساس الولاء السياسي والمنافع الشخصية مما أدي إلي تفاوت كبير في رواتب ومزايا العاملين في الاجهزة الأمنية المختلفة بدون مبررات موضوعية, وبالقطع كان لذلك تأثيره علي الشرفاء من رجال الشرطة. وكان واضحا ان السلطة لم تلتزم بالوظيفة الاساسية للشرطة وهي الالتزام بتنفيذ القانون علي نفسها أولا قبل تنفيذه علي المواطنين جميعا دون تمييز أو محسوبية أو مجاملة أو مراعاة للمكانة الاجتماعية.

والاعباء الملقاة علي عاتق الشرطة في مصر تفوق قدرة أي جهاز علي القيام بها بنفس الدرجة من الكفاءة والاهتمام, فكان تفرغ الشرطة لحماية المواكب والتنقلات الرسمية السبب في ضعف الوجود الأمني في المدن الجديدة والاحياء الشعبية والمناطق العشوائية فازدادت الجرائم فيها, وحتي في العاصمة والمدن الكبري تحولت الشوارع والميادين الي فوضي بسبب انتشار الباعة الجائلين والمتسولين وأطفال الشوارع وعشوائية مواقف الميكروباصات وعدم احترام قائدي السيارات قانون وقواعد المرور, وفي الوقت نفسه تضخم جهاز الأمن السياسي واتسعت سلطة جهاز أمن الدولة بالإضافة إلي اساءة استعمال حالة الطواريء بغير حدود.

والآن فإن واقع ما بعد الثورة يفرض إقامة العلاقة بين الشرطة والمواطنين علي أساس جديد تلتزم فيه الشرطة بالقانون وباحترام حرية وكرامة المواطن, ويلتزم المواطنون بالتسامح والتعاون والاحترام لرجل الشرطة باعتباره ممثل القانون والمسئول عن حماية حياة وممتلكات وحقوق المواطنين.

واذا نظرنا إلي الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية فسوف نجده من الضخامة بحيث يستحيل ان يقوم وزير واحد بالاشراف عليه والرقابة علي كل قطاع فيه, فالوزارة تتكون من قطاعات: الأمن العام, والبحث الجنائي, والدفاع المدني, والنجدة, والشرطة المتخصصة وهي كثيرة منها شرطة السياحة, وشرطة الكهرباء, وشرطة التموين, وشرطة البيئة, والأمن الوطني( امن الدولة سابقا) والأمن المركزي, وأجهزة الخدمات الشرطية بفروعها في مديريات الأمن, ومصلحة وثائق السفر والجنسية بفروعها, ومصلحة الأحوال المدنية, ومصلحة الأدلة الجنائية, وادارة المرور, وادارة مكافحة المخدرات, ومصلحة السجون المسئولة عنه السجون المنتشرة في أنحاء الجمهورية.

وعلماء الإدارة يشيرون إلي ما يسمونه نطاق الاشراف بمعني ان الوزير ــ أو حتي المدير ــ يمكنه الاشراف اشرافا دقيقا علي نطاق معين من المسئولية والافراد والقطاعات وكل زيادة عن هذا النطاق لابد أن تؤدي إلي ضعف الإدارة والاشراف والرقابة مهما قيل عن فاعلية أجهزة الرقابة الداخلية. فإذا راجعنا نطاق اشراف الوزير والوزارة علي كل هذه القطاعات التي تضم أكثر من مليون شخص.. الا يدعونا ذلك الي المطالبة بوزارتين الأولي وزارة الشرطة تتبعها القطاعات المختصة مباشرة بالأمن, والثانية وزارة الداخلية وتتبعها قطاعات الاحوال المدنية ووثائق السفر والجنسية والدفاع المدني والمرور والسجون كما هو الحال في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية أيضا؟


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف