الأمن والاقتصاد‏‏

في التاريخ ثورات كبري سارت في طريقها الصحيح وحققت الكثير من أهدافها ثم دفعها الحماس الزائد إلي الانحراف الذي أدي إلي الخراب واحتاجت إلي سنوات طويلة لإعادة المسيرة إلي الصواب‏.‏

أكبر الأمثلة علي ذلك ما حدث في الثورة الصينية ـ وهي من ثورات التاريخ الكبري ـ وبعد سنوات من بناء الدولة ونجاح التنمية والعدالة, وبعد إصلاح معظم المؤسسات والمرافق, ظهرت عصابة الأربعة بقيادة زوجة الزعيم ماوتسي تونج, وأعلنت ما سمي وقتها الثورة الثقافية ونادت الشعب الصيني إلي ثورة جديدة لتصحيح مسار الثورة, وكانت النتيجة أن تفرغ العمال والموظفون والطلبة للاعتصامات والمظاهرات, واستمرت الفوضي في جميع أنحاء الصين عشر سنوات كاملة توقفت فيها المصانع والمزارع والجامعات والمدارس والمصالح الحكومية حتي وصلت الصين إلي الإفلاس ووصل الشعب إلي مرحلة الجوع والبطالة, لم ينقذ الصين إلا قيادة جديدة حكمت بالإعدام علي عصابة الأربعة الذين كانوا يمسكون بقيادة الدولة..

وأستأنفت الصين السير من جديد علي الطريق الصحيح للتنمية ومحاربة الفساد بعد أن عاشت سنوات الفوضي وأصبحت في حالة أسوأ مما كانت عليه في ظل الاستعمار والحكم الإمبراطوري المستبد.. وعاد الشعب إلي العمل وأدرك الجميع أن الحصول علي الحقوق غير ممكن بدون أداء الواجب, ولكي تحصل كل فئة وكل فرد علي نصيب عادل من الكعكة لابد أولا أن تكون هناك كعكة, وعدم صناعة الكعكة يعني استحالة الحصول علي شيء والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

ومن البديهيات أن عدالة التوزيع تتوقف علي زيادة الانتاج, والانتاج مرتبط بالأمن الذي يعيد إلي الناس القدرة علي العمل, الأمن غاية في ذاته, بل هو مبرر وجود الدولة, وهو الضمان لحماية حياة وأموال وأعراض المواطنين, والشرطة هي ذراع المجتمع المسئول عن توفير الأمن والحماية للمواطنين وهي تعمل دائما في ظروف صعبة وتتحمل أعباء أكثر من غيرها وتتأثر بكل تغيير في المجتمع, فكل خلل في المجتمع يؤثر سلبا في جهاز الشرطة والعكس صحيح, كل خلل في جهاز الشرطة يصيب المجتمع بالفوضي والخراب.. وكما يقول الخبراء فإن جهاز الشرطة هو أهم نظام يحقق الضبط الاجتماعي وهو بحكم تكوينه ومسئوليته أكثر التنظيمات تعقيدا, فهو جهاز مدني, وفي الوقت نفسه له طابع نظامي يخضع لأحكام خاصة مماثلة لقانون القوات المسلحة في الانضباط والتدرج الرئاسي والمركزية المطلقة, ومعني ذلك أن ضابط أو جندي الشرطة لا يتصرف وحده, ولكنه يخضع في كل تصرفاته للأوامر التي تصدر إليه من قائده, وهذا القائد لا يتصرف إلا بأوامر قائد أعلي منه, وهكذا إلي أن يصل التدرج إلي قمة الهرم الذي يصدر الأمر ولا يملك الجميع إلا طاعة الأوامر( ولو خطأ كما هو العرف والقانون) وبديهي أن المأمور يخضع لمن يأمره. وينتهي بنا الأمر إلي تسلسل القيادة وتسلسل المسئولية عن القرارات, ولا يمكن أن نحاسب الفرع علي أخطاء الأصل أو نعاقب الذيل ونترك الرأس.. وفي الحروب عندما يحدث خطأ في أداء وحدة من الوحدات المقاتلة تتم محاسبة قائد الوحدة وليس أفرادها, ووفقا للقانون المصري فإن الشخص المتبوع( صاحب القرار) مسئول عن أعمال تابعة( منفذ القرار) والمحكمة الجنائية الدولية لا تحاكم الأفراد وصغار القادة عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

لذلك يجب مراجعة الموقف من سلوك أفراد الشرطة تجاه شباب الثورة, لنحقق العدالة, علي أساس هل تصرفوا من تلقاء أنفسهم أو تنفيذا لأوامر صدرت من قيادة أعلي, وهل نفذوا الأوامر في حدودها أو تجاوزوا بارتكاب ما هو خارج عنها, وهل كان الفعل بناء علي تصرف شخصي أو بناء علي سياسة عامة.. بذلك يتحقق العدل, ويجد جهاز الشرطة ـ كمؤسسة ـ الانصاف والتفهم من الشعب. وهذا شرط لازم لاستعادة الثقة والحماسة لكل رجال الشرطة وهم أولا وأخيرا أبناؤنا, وليس من المعقول أن يسعي كل أب وكل شاب إلي الالتحاق بالشرطة ويشعر بالفخر عندما يصبح ضابط شرطة, وليس معقولا ألا نجد أمامنا إلا الشرطة لكي تحمينا وتعيد إلينا حقوقنا وتواجه الخطر في معاركها مع اللصوص والبلطجية والخارجين علي القانون, ثم لا يجد هذا الضابط التقدير لدوره, وأهم من ذلك أن يجد تعاون الناس معه, لأن الأمن لا يتوافر بالشرطة وحدها ولكن بالمشاركة الشعبية مع الشرطة, فالأمن مسئولية الجميع في المجتمع, ويقودنا ذلك إلي ضرورة التوصل إلي عقد أو ميثاق بين الشرطة والمواطنين يحدد الواجبات والحقوق لكل جانب كما يقودنا إلي البحث عن كيفية توفير مناخ الثقة والدعم والمساندة لرجل الشرطة, وتوفير مناخ احترام القانون الذي يسهر رجل الشرطة علي تنفيذه.

.. وللحديث بقية

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف