عندما استمعت إلي رئيس الوزراء وهو يصارح المصريين بأن الوضع الاقتصادي بلغ حدا خطيرا يفوق التصور وتابعت مايشغل الناس في حواراتهم واعتصاماتهم في هذه الأيام.
, تذكرت علي الفور فيلما أمريكيا جميلا شاهدته منذ سنوات كان اسمه الرقص علي الهيدروجين.
وقصة الفيلم عن سفينة تحمل شحنة من غاز الهيدروجين الذي يفوق القنبلة الذرية في قدرته علي تدمير كل صور الحياة, وفوجيء طاقم السفينة بتعطل أجهزة الاتصال وحدوث تسرب لغاز الهيدروجين مما يمكن أن يهدد الحياة البشرية والنباتية والحيوانية في مساحات واسعة, وتوقف طاقم السفينة عند أقرب جزيرة في المحيط ونزلوا ليبحثوا عن وسيلة اتصال بقاعدتهم واخطارها بالكارثة الوشيكة, ولكنهم وجدوا جميع سكان الجزيرة متجمعين في ساحة واسعة ويرقصون علي أصوات موسيقي عالية جعلت من المستحيل أن يستمعوا لصيحات البحارة, وهكذا استمر الفيلم في عرض حال أهل الجزيرة المشغولين باحتفالهم الصاخب والبحارة يرفعون أصواتهم بالتحذير دون جدوي حتي اقتربت لحظة الانفجار الكبير وقائد السفينة يصيح بأعلي صوته: النجدة.. النجدة.. وصيحاته تضيع في أجواء النشوة التي تجتاح سكان الجزيرة!
تذكرت هذا الفيلم ورئيس الوزراء يكاشف الشعب بالحقائق المنذرة بالخطر: العجز في الميزانية134مليار جنيه, الحكومة تستدين كل شهر6 مليارات جنيه للوفاء بالتزاماتها الضرورية.. ديون قطاع البترول بلغت61 مليار جنيه وتدفع الحكومة لهذا القطاع ملياري جنيه بعد أن رفضت البنوك الاستمرار في تمويله بالسحب علي المكشوف, وبلغت خسائر السكك الحديدية406ملايين جنيه بسبب الاضرابات والاعتصامات, بينما يطالب العاملون بزيادة الحوافز! وكل فئة من فئات العاملين تطلب زيادة الأجور والحوافز والأرباح وتمارس الضغوط بالاضرابات والاعتصامات وتعطيل المرافق والمصانع والمصالح.. ويؤدي ذلك إلي خسائر.. نقص في الايرادات وزيادة في المصروفات.. ولا أحد يسأل: كيف يتحقق ذلك! والناس مشغولة بالانتخابات والمطالب والبلطجية يستغلون غياب الأمن, والحكومة تسعي إلي الاقتراض من المؤسسات المالية التي لا تعطي قروضا إلا بشروط..
في ظروف مماثلة ـ مع الفارق ـ انشغل المصريون بحشد قواهم لرد العدوان الإسرائيلي ـ بعد نكسة67ـ ولكن سرعان ما اقتنع الجميع بضرورة العمل وزيادة الانتاج والاستعداد لرد العدوان في الوقت نفسه وكان شعار المرحلة يد تبني ويد تحمل السلاح ونحن الآن في مرحلة تقتضي أن يكون شعارها نعمل ونواصل حماية الثورة, وكل ثورة تمر بمراحل ولا تتوقف عند مرحلة واحدة, فالمرحلة الأولي هي الفوران الشعبي والتعبير عن الغضب والرفض والاحتجاج ومواجهة أعداء الثورة أصحاب المصلحة في استعادة النظام الذي ثار الشعب عليه بما فيه من فساد وظلم واستهانة بالشعب وحقوقه, وبعد أن تحقق هذه المرحلة هدفها ينتقل الثوار إلي مرحلة تشجيع العاملين علي زيادة الانتاج, فهذه مرحلة العبور من الماضي إلي المستقبل, والثورة هي في الأساس عملية هدم أركان النظام الفاسد ثم مرحلة بناء كامل لمجتمع جديد. هذه المرحلة هي التي تحتاج إلي اليقظة وعدم الانجراف وراء الدعوات الهدامة, لأن استمرار الهدم وتعطيل المصالح يؤدي بالثورة إلي طرق فرعية بعيدا عن طريقها الرئيسي.. المرحلة الحالية تستلزم الوضوح في رؤية الأهداف, والانتباه إلي ما تقوم به القوي المعادية للثورة والرافضة للتسليم بحق الشعب في حياة ديمقراطية حقيقية توفر له العدل والحرية والكرامة.
هذه المرحلة هي مرحلة العمل لزيادة الدخل القومي حتي يمكن تحسين التعليم والعلاج وتوفير المساكن لسكان القبور والعشوائيات وفرص عمل لملايين العاطلين, ولا يمكن أن يتحقق ذلك مع وجود خزانة خاوية وحكومة تجاهد لادارة الميزانية بما فيها من عجز قدره134 مليار جنيه, والاشقاء والاصدقاء والمؤسسات المالية كلهم يعلمون ولكل منهم شروط لمنح قرض أو مساعدة.. ولم يعد أمامنا إلا أن نعمل بالمثل الحكيم:( ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك).
ولا أحد يطالب الثوار بالانصراف والتوقف عن حماية الثورة إلي أن تتحقق أهدافها كاملة لكي لا تضيع دماء الشهداء هدرا, ولكن حماية الثورة وتحقيق المطالب لا تكون فقط بالاعتصامات وتعطيل المصانع والقطارات والطرق في وجود البلطجية وقطاع الطرق, والاختيار الصحيح هو مساعدة حكومة الانقاذ علي أن تنقذ البلد من شبح الافلاس والفوضي, وهذه ليست مسئولية الحكومة وحدها, ولكنها مسئولية شعبية تنتظر شباب الثورة ليكونوا هم الطليعة والقيادة, لأن المجتمع لن يتقدم بالسير علي قدم واحدة والمثل يقول إن اليد الواحدة لا تصفق.
مسئولية شباب الثورة الآن أن يبدأ في قيادة المرحلة الجديدة للانقاذ وحماية الثورة وتكريس الجهود للانتاج والخروج من الأزمة, وحماية التعددية الحزبية قبل أن يحتل الساحة السياسية حزب يكرر المأساة يغرقنا في الوعود ويتمسكن إلي أن يتمكن! مسئولية الثوار أن يكونوا عينا علي الثورة وعينا علي تنمية ثروة البلد ومصادر الرزق فبدون زيادة الانتاج لن تتحقق عدالة التوزيع.