لحظة لالتقاط الأنفاس‏

بعد تسعة اشهر مليئة بالانفعالات والمليونيات والتوترات واختلافات الرأي تحتاج الثورة إلي لحظة هدوء لالتقاط الأنفاس والمراجعة وحصر الايجابيات والسلبيات وتحديد العدو والصديق والاتفاق علي الخطوات التالية لتحقيق مطالب الشعب من الثورة وانهاء مرحلة التشرذم وتضارب المواقف والمصالح. 

سوف تجد أن ما تحقق خلال هذه الفترة القصيرة من عمر الزمن كان أقرب إلي الحلم المستحيل.. إسقاط رؤوس النظام.. حل مجلسي الشعب والشوري.. الغاء التوريث.. البدء في محاسبة لصوص المال العام.. حل الحزب الوطني والمجالس المحلية.. تحديد فترة زمنية لرئيس الجمهورية لا يمكن تجاوزها.. انتهاء عصور تزوير الانتخابات بالتصويت بالرقم القومي واعطاء حق الانتخاب للمصريين في الخارج.. قانون لمحاكمة الذين افسدوا الحياة السياسية.. الخ. 

ومازالت الثورة تسير علي الطريق وتحقق كل يوم هدفا من أهدافها والحياة فيها لم تتوقف, هناك سلبيات نعم, وهذا طبيعي, فالكمال لله وحده وبالقطع يمكن معالجتها اليوم أو غدا.. وهناك أخطاء.. نعم.. جل من لا يخطيء.. وكل خطأ يمكن إصلاحه.. هناك تباطؤ.. الضغط الشعبي كفيل بتحريك السكون ولكن تصاعد موجات الاحتجاج والغضب بلا نهاية يزيد السلبيات ويعرقل مسيرة الثورة, ويؤجل تحقيق الأهداف. واستمرار الانفلات الأمني يهدد الجميع, وإعادة تماسك جهاز الأمن يحتاج إلي وقت لبناء جسور الثقة وإصلاح ما أفسده النظام السابق الذي دفع جهاز الأمن إلي التصادم مع الشعب وهو جهاز قائم علي طاعة الأوامر( ولو غلط!) مما جعل نسبة كبيرة من رجال الأمن ضحايا مثل ضحاياهم! 

الحقائق كما تعكسها الأرقام تدعو إلي ضرورة التقاط الأنفاس, فالعجز في الموازنة العامة134 مليار جنيه كيف يمكن تدبيرها؟ والبورصة تخسر كل يوم مليارات, والاحتياطي النقدي كان36 مليار دولار أصبح الآن22 مليارا ونقص14 مليار دولار, وما يتبقي يغطي وارداتنا ستة أشهر فقط, وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.. ما العمل؟ والزيادة في اعداد العاطلين من يناير حتي الآن مليون ونصف مليون مواطن منهم600 ألف فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص وخصوصا في قطاع السياحة و800 ألف شاب كان يفترض إيجاد وظائف لهم في المشروعات الجديدة التي توقفت, وعلينا أن نتذكر أن4400 قرية في مصر تعيش الأسر فيها تحت خط الفقر,60% منها في الوجه القبلي و7% في القاهرة, والباقي في أنحاء الجمهورية, وخسائر قطاع السياحة اكثر من مليار جنيه, وتوقف30% من نشاط التشييد والبناء, وفقد الاستثمار المباشر2263 مليار دولار, والاستثمار الخارجي المباشر صفر. 

وعلي الجانب السياسي لدينا الآن54 حزبا تكرس الانقسام في وقت نحتاج فيه إلي وحدة الفكر ووحدة الصف, وهذا يحتاج إلي أحزاب قوية لها ايديولوجية وبرامج وقاعدة شعبية, وليس من السهل أن يحصل الشباب الذين كانوا وقود الثورة علي ما يستحقونه من مقاعد مجلس الشعب في هذه المرة وتفرقهم في ائتلافات وأحزاب وجماعات يضعف فرصهم أكثر أمام قوي منظمة منذ سنوات ولديها مصادر للتمويل الداخلي والخارجي بالملايين, وقد ظهرت في مصر الأصولية التي تشبه الأصولية في أمريكا التي تؤمن بأن العمل السياسي يتم تنفيذه بأوامر من الله وليس من البشر ولا يقبلون مناقشة من يقول بأن الله لم يوكل أحدا من البشر بعد الرسول صلي الله عليه وسلم المعصوم من الخطأ وليتولي الحكم باسمه,أونيابة عنه سبحانه وتعالي, وها نحن نري الاتهام بالكفر يلاحق كل من يخالفهم في الرأي. 

واذا لم تحصل الثورة علي فرصة لالتقاط الأنفاس فقد تصل إلي لحظة لا ينفع فيها الندم. وما يحدث في العراق من فوضي هو رسالة تحذير, فقيادات حزب البعث المنحل تعمل بمنتهي القوة علي نشر الفوضي وزعزعة استقرار البلاد بعد أن نجحت في تنظيم نفسها بالتعاون مع عناصر من قيادات الشرطة الذين فصلوا من الخدمة, علي الرغم من أن الدستور العراقي منع عودة حزب البعث إلي الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق وتشكلت هيئة المساءلة والعدالة ولم تفرض عقوبات علي قيادات حزب البعث غير الإبعاد من الموقع القيادي, ومعلوم أن في العراق قوي ممولة ولها مصالح في استمرار الفوضي والانفلات الأمني الذي يلي الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية هذا العام بحيث يطلب العراق الحماية الأمريكية ويستمر الاحتلال الأمريكي بناء علي طلب الحكومة العراقية, وهناك أيضا من يعمل علي تعطيل وصول القوي الوطنية الي المصالحة والتوافق لكي يفقد العراقيون الثقة في كل الأطراف والقوي السياسية دون استثناء, ويسود الاحباط السياسي, في كل الأطراف والقوي السياسية في وقت غير مناسب تماما.. وتستمر الفوضي إلي ما لا نهاية دون أن يدرك الجميع من المستفيد من الفوضي. ولماذا لا نسأل أنفسنا من المستفيد من الحرائق والتخريب والتدمير؟.


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف