تنشر الصحف كل يوم مقالات لمفكرين كبار فيها آراء يمكن أن تنير لنا الظلمة التي نتخبط فيها, أقرأ هذه المقالات وأتساءل: هل تجد من يقرؤها؟ وأشاهد علي شاشات التليفزيونات كل يوم حوارات بعضها مجرد كلام ومحاولات للظهور وبعضها الآخر فيه أفكار يمكن أن تصلح المسار.
وأتساءل: هل تجد من يسمعها؟ واذا كان هناك من يقرأ ويسمع فلماذا لانجد صدي لذلك ولانري اجراءات وقرارات وتشريعات تفيد بأن الكلام أصبحت له قيمة بعد الثورة ولم يعد مجرد تسلية للمتحدث والمستمع, ولن يكون أكثر من كلام ليس وراءه عمل.
والفرق بين البلد المتحضر والبلد غير المتحضر أن الكلمة لها قيمة في المجتمع المتحضر وليست لها قيمة في المجتمع المتخلف.. وعلي سبيل المثال الدكتورة سعاد الشرقاوي وهي من كبار أساتذة القانون الدستوري وصلت الي مرحلة أعلنت فيها أنها زهقت وقررت التوقف عن الكلام ـ لأن الكلام لايجد من يستمع اليه, وأنها اشتركت في حوارات كثيرة ولم تكن لها نتائج, والمسألة واضحة لاتحتاج الي تكرار الشرح, فالحكومة اذا كانت لها رؤية سياسية فإنها تطبق هذه الرؤية والواضح أن الحكومة الحالية ليست كذلك بينما هذه المرحلة هي مرحلة القرارات الحاسمة وليست مرحلة استنفاد الوقت والطاقة في الكلام, فهناك مطالب أساسية يجب تحقيقها.. عدالة في الأجور.. فرص عمل.. توجيه الاستثمارات في مشروعات انتاجية وللتصدير.. والاسراع بمحاسبة كل من تولي وظيفة عامة أو منصبا عاما ـ مهما كانت درجته ـ وتعاقد أو استفاد بأي صورة من صور الشراء أو البيع في ممتلكات الدولة لأن هذه التعاملات باطلة بطلانا مطلقا لمخالفتها للدستور وتمثل جريمة جنائية, كذلك محاسبة من كان يجمع بين أكثر من منصب والغاءالقانون الذي يسمح بأن يكون عضو مجلس الشعب المختص بمراقبة أعمال الحكومة موظفا في أي موقع حكومي أو يشغل منصبا له صلة بالحكومة بحيث يكون عضو البرلمان متفرغا لمهمة التشريع والرقابة ولايتخذ عضوية البرلمان بابا للرزق, وفي دساتير العالم يفصل من البرلمان من يجمع بين العضوية وبين الوظيفة العامة أو المنصب العام بما في ذلك رئاسة أو عضوية مجالس ادارات الشركات أو البنوك, لأنهم في هذه المناصب يديرون اقتصادا ضخما فإذا جمعوا بين هذه المناصب وبين عضوية مجلس الشعب ومالها من حصانة من الممكن أن يتحكموا في الاستيراد والتصدير والانتاج ويشيعوا الفساد في الجهاز الاداري وفي الحياة الاقتصادية وتتكرر مأساة مجلس الشعب في مرحلة ماقبل ثورة يناير... كذلك يجب الغاء القانون الذي يسمح بانتداب القضاة مستشارين للوزراء والمحافظين ورؤساء الشركات والمؤسسات لكي يظل مكانهم الوحيد علي المنصة العالية وتظل لهم الهيبة التي تليق بقدسية القضاء.
وفي الحوارات الجادة تحذيرات يجب أن تؤخذ مأخذ الجد لأن الأمور لاتسير كما كانت تريد الثورة, وهناك شعور بأن وراء الكواليس قوي تعمل لعرقلة مسيرة الثورة لكي تظل تائهة في دائرة مفرغة من الاضرابات والاعتصامات الفوضوية ويستمر الخلاف وتبادل الاتهامات حتي يغفل الجميع عن الاهداف الكبري التي قامت الثورة من أجلها, والمسئولون يطالبون الناس بالعودة الي مساكنهم وأعمالهم وترك الثورة وأهدافها دون أن تتحقق كاملة, والبعض يتوقع ان يحل محل الدكتاتورية التي ذهبت دكتاتورية أخري تحافظ علي الأوضاع القديمة, وهناك من يتخوف من حلفاء القوي الكبري الذين ينفذون استراتيجيتها بالوكالة والعمولة والمعونة, وهناك من يستاءل: اين الوعود بقانون حماية المجتمع من الفساد السياسي والفاسدين والمفسدين, واين قانون الحد الأقصي للدخول لأصحاب الوظائف في الحكومة والقطاع العام والبنوك العامة؟ وأين قانون دور العبادة الذي طال الحديث عنه والوعد به؟ واين الاجراءات التي تمت بعد اعلان وثيقة الحوار الوطني ومنها اصلاح الخلل بين السلطة التنفيذية الذي سمح بسيطرة السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية, علي خلاف مايقضي به الدستور, واين القانون الخاص بنقل تبعية التفتيش القضائي الي مجلس القضاء الاعلي بدلا من تبعيته لوزير العدل, واين السياسات والاجراءات التي تكرر الوعد بها لمحاربة الفقر؟.
وهل سيكون مصير نتائج الحوار كمصير عشرات التقارير وأعمال اللجان مصيرها النسيان؟
وماذا فعلت الحكومة لمنع تفشي الفساد كما حدث في الماضي وكما يحدث الآن, لايكفي أن تحال قضايا الفساد الي القضاء, فهذا أمر بديهي, ولكن ماذا عن الحاضر والمستقبل, هل نترك الفرصة للفاسدين علي أمل ان نتمكن من الامساك بهم ومحاكمتهم عندما يشاء الله.
كثير مما يمكن عمله الآن يستطيع اي مسئول أن يجده بسهولة فيما ينشر ومايذاع اذا كانت هناك ارادة للعمل الثوري بدلا من سياسة الانفصال بين الفكر والتنفيذ التي ثار عليها المصريون.