مسئوليتنا عن الأزهر

كلما تحدثنا عن الأزهر لا نذكر إلا مسئولية الأزهر وعلمائه ولا نذكر مسئوليتنا نحن عن الأزهر‏,‏ ونركز علي الواجبات التي يجب أن يقوم بها لتحقيق الإصلاح الديني

 ونشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام ومواجهة الانحراف والتشدد ونطالبه بالقيام بدور أكبر في نشر رسالته في أنحاء العالم, ونغفل الواجب المفروض علي المسلمين القيام به تجاه الأزهر.. وكثيرا ما نتهم الأزهر بالتقصير والحقيقة أن التقصير منا نحن.

مكانة الأزهر العالمية معروفة, وهو في عيون العالم المرجعية الإسلامية العليا, ومازلت أذكر رحلاتي في صحبة شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي ورأيت كيف كان يعامل معاملة رؤساء الدول في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والهند وباكستان, وأذكر أحاديث رؤساء الهيئات الدينية في هذه البلاد عن الأزهر كمركز اشعاع للفكر الاسلامي المستنير, وفي كل هذه البلاد كنت أجد علماء الأزهر هناك يقومون برسالتهم علي خير وجه ويجدون الاحترام من المسلمين فيها ومن غير المسلمين,, ولكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن الأزهر يجب أن يقوم بدور أكبر في مصر لمواجهة الفوضي في الساحة الدينية وزيادة وجوده في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية, لمواجهة حملات التشويه القوية والمنظمة للإسلام والمسلمين.. ولابد من الاعتراف بمجموعة من الحقائق ونحن في مناخ جديد يسمح بالمصارحة والاصلاح.

أولا: إن موارد الأزهر الحالية لا تسمح له بأداء رسالته كما نطالبه بأدائها, موارده الحالية لا تسمح له بإرسال أعداد كافية من مبعوثيه من العلماء الي مختلف دول العالم أو تلبية احتياجات الدولة الإسلامية وغير الإسلامية بزيادة المنح الدراسية التي يخصصها لأبناء هذه الدول لدراسة علوم الدين الإسلامي واللغة العربية في معاهده وكلياته, والجميع يطالبون الأزهر ولا يتقدمون لمساعدته وعلي الرغم من توافر الأموال لدي أغنياء المسلمين فإنهم لا يبادرون للتبرع للأزهر بالسخاء الذي نري عليه أمثالهم في الدول الأخري لدعم مؤسساتهم الدينية وللإرساليات والبعثات والجميعات الدينية داخل هذه الدول وخارجها. وما يجري في القارة الافريقية ليس خافيا, بينما المراكز والجمعيات الإسلامية في الخارج امكاناته قليلة والمساعدات التي تتلقاها محدودة, بينما يتلقي الدعاة الذين يروجون فكر التشدد والتعصب ـ مباشرة أو من خلال جمعياتهم وجماعاتهم ـ أموالا كثيرة من داخل مصر ومن خارجها.

ثانيا: إن أمور الدعوة والتعليم الديني ليست بيد الأزهر, فمناهج تعليم الدين في المدارس لا يتم وضعها في الأزهر, ومجتمع الجامعة والمدرسة ليس فيه مكان لعلماء الأزهر, وعقول الشباب معرضة لفكر التشدد أكثر من تعرضها لفكر التسامح والاعتدال الذي يمثله الأزهر. ومجتمع النساء متروك للجماعات وللدعاة الدخلاء وللفضائيات المريبة التي انتشرت ولم يتم اعداد برنامج للتوجيه الديني الرشيد وتوفير اعداد كافية لذلك من الواعظات من خريجات الأزهر, وليس خافيا أن ما يزرعه الدعاة الأدعياء ينتقل تلقائيا إلي الأبناء.

والدول الافريقية تلح في طلب الدعاة الذين يجيدون اللغات الافريقية, والمسلمون في الصين يحتاجون الي دعاة يجيدون اللغة الصينية( وفيها أكثر من عشرين مليون مسلم) ودول أوروبا تحتاج إلي من يجيدون اللغات الانجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية وغيرها, ولا يستطيع الأزهر تلبية هذه المطالب إلا في حدود محدودة.

والأزهر وهو أعلي مؤسسة علمية راعية للعقيدة الإسلامية الصحيحة, والمسئولة عن تجديد الفكر الديني وقيادة حركة عقلية واسعة تؤسس لنهضة العالم الإسلامي, عاني في فترة كان هناك من يعمل علي أن يقتصر وجوده علي دائرة محدودة لا يتعداها, وكان يتلقي النقد علي ما في أدائه من قصور مفروض عليه من خارجه!

وبعد أن أصبح التليفزيون هو الاداة الأكثر تأثيرا في عامة الناس, وانتشر في الفضائيات دعاة الفتنة والتعصب أكثر من دعاة التسامح والاعتدال, أصبح الهجوم بالإساءة والتشكيك في الأزهر وعلمائه من علامات الشجاعة, والادعاء بأن علماء الأزهر هم علماء السلطة لتشويه صورة العلماء الحقيقيين وللترويج للأدعياء والدخلاء الذين اغتصبوا لأنفسهم مكانة الدعاة, ولم يعد خافيا أن هناك جهودا وأموالا للتقليل من مكانة الأزهر ومحاولات لانتزاع قيادة الفكر الاسلامي منه وهو الذي يتحمل مسئولية الحفاظ علي نقاء وسماحة الاسلام أكثر من الف سنة لتحويل مرجعية المسلمين الي جهات أخري, من هنا جاءت وثيقة الأزهر لتؤكد أن الأزهر صامد وقادر علي أن يتحمل مسئوليته بفهم عصري يؤمن بأن الدولة الحديثة الديمقراطية هي التي تتفق مع الإسلام وليس صحيحا أن الأزهر بهذه الوثيقة يسعي إلي أن يكون سلطة دينية ولكنه يريد أن يعلي صوت الإسلام الصحيح وسط زحام الادعياء ودعواتهم المنحرفة.


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف