ميثــــاق .. لعلاقة الشرطة والشعب

بعد أن أعلن وزير الداخلية أن هيبة الشرطة ضاعت، وأن هيبة الدولة الآن يمكن أن تضيع، أصبحت قضية الأمن هى التى يجب أن تكون لها الأولوية المطلقة قبل كل قضايا الوطن ومستقبله الأخرى.

فليس من الطبيعى أن تمارس الشرطة الاعتداء على المواطنين، كما أنه ليس من الطبيعى أن يتطاول المواطنون بالاعتداء على رجال الشرطة، وهم ممثلون للدولة ورموز لسلطة القانون، ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار والأمان إذا كان رجال الأمن لا يشعرون بالأمن، ولهذا جاء الوقت للتوصل إلى عقد اجتماعى أو ميثاق لتنظيم العلاقة بين الشعب والشرطة على أسس جديدة تختلف عما كانت عليه العلاقة من قبل، بحيث يتم الاتفاق على حدود كل من الحق والواجب لكل من الطرفين والوضوح فى التفرقة بين أعمال الشغب والتظاهر السلمى.

ومن دروس وتجارب الدول المختلفة، فإن الجرائم والانحرافات لا يمكن القضاء عليها بزيادة قوات الشرطة أو بالتوسع فى تشديد العقوبات فقط، إذا لم تصاحب ذلك عدالة وضمانات لوصول الحقوق إلى أصحابها وممارسة حقيقية للحريات الأساسية وتوفير الحد الأدنى من احتياجات ومطالب الفئات الأقل حظاً فى الدخل والخدمات، وفى غياب هذه الضمانات فإن الشرطة ـ مهما استخدمت وسائل القمع ـ لن تستطيع أن توقف عواصف الغضب والحرمان.

وفى بحث متعمق للدكتورة سهير عبدالمنعم ـ استاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن أزمة الشرطة مرتبطة بأزمة المجتمع وتضخم جهاز الأمن السياسى، وسيطرة الحزب الحاكم، والحل هو إعادة تأهيل كوادر الشرطة للعودة للمقاتلة بفدائية لحفظ أمن المجتمع ونقل جهاز الشرطة من عصر السياسة إلى عصر المهنية والعلم لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية القائمة والمحتملة، وهذه مهمة أكاديمية الشرطة بمراكزها المتخصصة وبخاصة مركز بحوث الشرطة.

ولابد من الإسراع بإعادة التسامح والتعاون بين المواطنين والشرطة، ولكى يتحقق ذلك لابد من الانتهاء من محاكمة القيادات المتورطة فى القتل وتخفيف الضغط عن صغار الضباط الذين ورطهم من يملكون إصدار الأوامر، وبحيث يطمئن الجميع إلى أن الحكم على كل واحد بمقدار مسئوليته الجنائية التى تثبت بالأدلة، وليس بالانطباعات، ولابد أن يؤخذ فى الاعتبار أن الانحراف كان انحرافا مؤسسيا فى المقام الأول.

فى هذا الميثاق المقترح ترى الدكتورة سهير عبدالفتاح أن يشمل النص التأكيد ـ فى الدستور ـ أولا ـ على استقلالية هيئة الشرطة وأنها مِلك للشعب والحد من المركزية المطلقة فى عملها بتفويض بعض السلطات للمحافظات واعتماد مباديء الإدارة الحديثة التى تقوم على الشفافية والعمل الجماعى وإلغاء حالة الطواريء فور إقرار الدستور لأن استمرار العمل بقانون الطواريء يدفع أفراد الشرطة إلى الإفراط فى استخدام السلطات الاستثنائية التى يمنحها لهم هذا القانون فى غير الأحوال التى شرع القانون من أجلها.

ومن أهم النقاط التى تنبه إليها الدكتورة سهير عبدالمنعم ضرورة توفير الأمن أولا لرجال الأمن بعد أن تعرض بعضهم لاعتداءات وصلت إلى حد الاعتداء المُسلح، وهذا ما يجعل بعضهم يناصب الثورة العداء ويعتبرها المسئولة عن ذلك ويتمنى عودة الحال إلى ما كان عليه لتعود إليهم مكانتهم، وفى نفس الوقت فإن أغلبية رجال الشرطة يدركون بحسهم الوطنى أن مؤسستهم كانت مثل بقية مؤسسات المجتمع ضحية للنظام السابق، ويمكن أن نفهم المظاهرات والمطالب من بعض أفراد الشرطة على أنها كانت محاولة ـ سيكولوجية ـ لتجاوز الأزمة والتحرر من قيود السياسة والسيطرة.

الميثاق المقترح لابد أن يتضمن إعادة هيكلة جهاز الشرطة بما يواكب فلسفة الحكم والنظام السياسى الجديد، وأن يشمل ذلك ضمان الأمن الوظيفى وتكافؤ الفرص فى الترقى والتنقلات ونظم التقاعد واختيار المؤهلين نفسيا لتحمل الأعباء الثقيلة لجهاز الشرطة، وتحديد الخيط الرفيع بين القمع وفرض النظام ووضع نظام واضح للرقابة والمساءلة والتدريب، والنص على إبعاد الشرطة عن الأمور السياسية وخضوع أعمالها للرقابة القضائية.

بهذا الميثاق نضمن بناء العلاقة بين المواطنين والشرطة على أسس سليمة وواضحة، الحكم فيها للقانون وحده.



 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف