إساءة استعمال الدين!
في القانون عقوبة علي إساءة استعمال السلطة, وعلي اساءة استعمال الحق, ولكن ليس فيه عقوبة علي اساءة استعمال الدين, مع أن هذه هي أم الجرائم ومع غياب المحاسبة عليها انتشرت وأصبحت تهدد العقيدة وتهدد المجتمع.
والتحريض في قنوات فضائية تعمل ليل نهار علي بث آراء في الدين مدفوعة بعوامل سياسية ومذهبية وطائفية وليست مدفوعة بالرغبة في نشر المفاهيم الصحيحة المعتدلة للاسلام. وفوضي الفتاوي والتفسيرات الدينية وراء انفجارات الفتنة الطائفية بهدف تفتيت وحدة مصر, ولاشعال الفتنة ظهرت قنوات بعضها تبث سمومها من الخارج تسيء الي الاسلام وتعمل علي إثارة مشاعر المسلمين. هذه القنوات التي ظهرت في السنوات الأخيرة تخصص لها ميزانيات بعشرات الملايين من الدولارات من أين تمويلها ولماذا تدفع ببذخ لكل من يتعاون معها في تحقيق هدفها ومنذ متي والدعوة الي الله توفر للدعاة سيارات مرسيدس وفيلات وجيشا من الخدم والموظفين والحرس الخاص وأرصدة بالملايين في مصر وفي دول عديدة حتي في جزر الباهاما!
ومن التاريخ والواقع نري أن الزيف يمكن أن يغلب الحقيقة والباطل يمكن أن يغلب المنطق والتفسيرات الغريبة يمكن أن تجد من يدافع عنها بيده, وبلسانه, وبقلمه, وبسلاحه الأبيض, والدعوات التي تحرض علي التعصب والعنف لم تنبت في أرض مصر ولكنها وافدة من بلاد اسلامية من تكوينها وطبيعتها التشدد ومعاداة حرية الفكر ـ بل معاداة الحرية بكل صورها سواء كانت سياسية أو فكرية أو اجتماعية ـ والمتشددون كان الإمام محمد عبده يصفهم بأنهم يلتحفون بالاسلام وينبهنا الدكتور يحيي الرخاوي الي صور أخري من إساءة استعمال الدين للحصول علي أصوات انتحابية بشكل أو بآخر, واستعمال الدين تبريرا لما يسمي صراع الحضارات, واستعمال الدين تصنيفا للارهابيين عند اللزوم بالاضافة الي استعمال الدين وسيلة للتربح والاحتكار, واستعمال الدين ـ تعسفا ـ لتفسير بعض العلوم والمعلومات, واستعمال الدين كوسيلة لقهر ووأد الإبداع, واستعمال الدين كوسيلة للاستيلاء علي السلطة السياسية, وباسم الدين يحارب المتشددون كل دعوة للتجديد والاصلاح في الفكر الديني كما يحاربون التقدم العلمي والأخذ بوسائل وأساليب الحضارة الحديثة ويرفضون التمدن والنهضة ويدعون الي العودة الي البداوة والبدائية التي كانت عليها المجتمعات الاسلامية منذ قرون, وهؤلاء هم المسئولون عن التعثر في مسيرة التقدم في العالم الاسلامي, وكلما خطا خطوة الي الأمام أعادوه خطوتين الي الوراء ويرفضون الاجتهاد وتعدد الآراء ومراجعة أقوال الأقدمين في ضوء الكتاب والسنة وتطورات العصر وايضا يرفضون الحوار ويرون أنهم أصحاب الكلمة النهائية والقول الفصل وكل من يختلف معهم مبتدع أو زنديق أو كافر, والاعتدال والوسطية والبعد عن التنطع والغلو من خصائص الاسلام وقد حذر الرسول المسلمين ثلاثا بقوله: هلك المتنطعون اي الذين يجاوزون الوسطية والاعتدال بلا إفراط أو تفريط.
والمتنطعون هم الذين يختارون من كل الآراء أكثرها تشددا والاسلام دين التيسير وماخير الرسول بين أمرين حتي اختار أيسرهما, والتوقف بالفكر الاسلامي عند الحدود التي وصل اليها السلف يؤدي إلي انفصال بين الدين وبين الحياة المتجددة ومافيها من قضايا مستحدثة لم تكن موجودة في عصر السلف. وفي مواجهة التمسك بما قاله السلف نبهنا الشيخ القرضاوي الي فقه الموازنات أي أن علينا أن نوازن دائما بين مافيه مصلحة ومافيه مفسدة, ونوازن بين المصالح وبعضها والمفاسد وبعضها وهذا لا يحتاج الي علم بالشرع فقط ولكن يحتاج الي علم بالواقع المتغير الي جانب العلم بالشرع, ولا نقع في الخطأ الأكبر فننظر الي أمور صغيرة علي أنها كبيرة والي الأمور الكبيرة علي أنها صغيرة, والاسلام يدعونا إلي أن نضع كل شيء في حجمه وموضعه والحديث يؤكد ذلك:( الايمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذي, وهذا يدل علي أن هناك ماهو أعلي وماهو أدني, والمسلم الحق يجيد فهم الأولويات..
والذين يعملون علي إساءة استعمال الدين لا يعرفون ذلك أو لا يعترفون به, ولهم في ذلك أغراض ليست خافية, والغرض مرض كما يقول الحكماء.