فجأة امتلأت الساحة بجماعات تدعي أنها هي الممثل الشرعي والوحيد للعقيدة والشريعة وكل من يخالفها خارج علي الاسلام ومارق ـ أو كافر ـ ويستحق العقاب علي أيديهم باعتبارهم أصحاب الإسلام ووكلاء الله في الدفاع عنه.
وقد يكون مقبولا أن يحاول كل تيار أن يظهر في الساحة بأكبر من حجمه الحقيقي, وان يسعي إلي إعلان أو فرض وجوده بالترغيب والترهيب, وان يستخدم الصوت العالي لإسكات اصحاب الرأي الاخر, ولكن غير المفهوم وغير المقبول ان تستمر هذه المرحلة بأكثر مما يمكن احتمالها وتصل الي حد الإساءة الي مصر والمصريين والي الإسلام والمسلمين, هنا لابد من وقفة مع الصديق ولابد من حوار وجدال بالتي هي أحسن كما أمر الله.
إيمانا بأن الله وحده هو الذي يعلم الحقيقة, ولا ينبغي لأحد من البشر مهما كان علمه أن يدعي أنه هو وحده الذي يملك الكلمة الفصل والحكم النهائي الذي لا يأتيه الباطل أبدا في كل شئون الدين والدنيا.
ولذلك كان السلف الصالح يبدون رأيهم بتواضع ويستمعون لرأي غيرهم باحترام, ويصدعون لأمر الله لهم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وهو أمر صريح ليس لمسلم أن يخالفه لأن حرية العقيدة هي جوهر الاسلام وأمر الله لا إكراه في الدين والاكراه ينتج المنافقين وليس المؤمنين.
والخلافات القائمة بين الجماعات والتيارات الإسلامية هي خلافات في الفكر, وهي خلافات قديمة ظهرت حتي في العصر الأول للإسلام وأضيفت اليها أفكارا ومعتقدات وطقوس من الذين دخلوا الاسلام وهم مشبعون بحضارات وثقافات مختلفة, وقد تأثر الفكر الاسلامي بالبيئات المختلفة التي عاش فيها, ولذلك نجد مفاهيم وأفكار اسلامية وممارسات في ايران أو الهند أو تركيا أو الصين أو شبه الجزيرة العربية أو دول حوض البحر المتوسط وأوروبا, تختلف فيما بينها اختلافات كبيرة أو صغيرة.. وبعض هذه الأفكار يؤدي الي التعصب ورفض الآخر وبعضها الآخر, يحرض علي العنف لفرض الرأي بالقوة وبالارهاب, وهؤلاء وهؤلاء يحسبون أنفسهم الأحق باحتكار القيادة وفرض معتقداتهم علي المجتمع الذي يعيشون فيه وعلي مجتمعات أخري تختلف عن مجتمعاتهم وبعض هذه الجماعات تتشدد في الدفاع عن افكار ومفاهيم تري أنها صحيح الإسلام دون أن تدرك انها أفكار وافدة من مجتمعات أخري ومتأثرة بالحضارة والثقافة والتراث الديني في تلك المجتمعات, فما يراه علماء المسلمين في الهند أو باكستان أو ايران, أو غيرها قد لايكون متلائما مع التراث الحضاري والثقافي للمجتمع المصري أو التونسي علي سبيل المثال, وهذه حقيقة تفسر لماذا اضطر الإمام الشافعي الي تغيير مذهبه الفقهي الذي وضعه في العراق ورأي أنه التفسير لصحيح الإسلام, وعندما جاء الي مصر وجد ان مذهبه لا يتناسب مع البيئة الحضارية والثقافية في مصر, وكان ذلك شاهدا علي ان اختلاف الأئمة رحمة بالمسلمين, وتعدد الاجتهادات والمذاهب دليل علي حيوية الاسلام وعلي انه صالح لكل زمان وكل مكان, أي أن الاحكام والفقه والتفسير والمذاهب, فيها من المرونة والصلاحية للتطور مع تطور المجتمعات وعقول البشر.
وكما كان السلف الصالح يأكلون طعاما لم يتوفر لهم غيره فإن المسلمين اليوم يأكلون أطعمة كثيرة لم يعرفها السلف, وأيضا لهم أزياء وملابس مختلفة, ويتحدثون بلغات مختلفة, ويكتشفون علوما وحقائق في الكون وفي أنفسهم توسع دائرة معارفهم بما لم يكن معلوما للسلف الصالح, وطبيعي أن تضاف العلوم والمعارف والحقائق الجديدة الي عقول المسلمين وتنعكس علي فهمهم للنصوص وليس من المقبول عقلا تجاهل التطور العلمي والفكري للمسلمين.
والمبدأ الاسلامي كما فرضه الله هو عليكم انفسكم ولا يضركم من ضل اذا اهتديتم وادعو الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ولأن بعض الجماعات خالفت هذه الأوامر الالهية فقد خسرت تعاطف كثير من الناس وانفضوا من حولها, واذا ارادت هذه الجماعات ان تحافظ علي بقائها فعليها ان تقبل ان تعيش وتدع غيرها يعيش وتترك الحكم لله فيما يختلفون فيه.
معركة الأفكار القائمة الآن تحتاج ـ اذن ـ الي الرشد والعودة الي منهج الاسلام.