حماية الثورة من أصدقائها‏!‏

في بداية الثورة كنا نخشي عليها من أعدائها‏,‏ ولا يزال هذا التخوف موجودا إلي اليوم وغدا وأضيف إليه مؤخرا الخوف علي هذه الثورة من أصدقائها وهي لا تزال في شهورها الأولي ولم تثبت أقدامها بعد‏,‏ ولعلنا نذكر هنا المقولة الشهيرة التي قالها نابليون‏.


: اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

فالثورة مهددة الآن من أعدائها ومن أصدقائها أيضا, أعداؤنا يدبرون ويكيدون لها في الخارج, ويشعلون الحرائق والمعارك والخلافات في الداخل لتبديد طاقتها, وأصدقاؤها هم أيضا يبددون طاقتها بوقفاتهم الاحتجاجية التي تطول بأكثر من الحد المعقول, وبمطالبهم التي تتجاوز أيضا الحد المعقول وبعضها يصل إلي درجة الابتزاز, ويبدو المشهد وكأن الجميع لديهم شعور بأن هذه هي الفرصة ليحصلوا علي ما يطالبون به سواء كان عند الحد المعقول أو لم يكن كذلك, ماداموا يجدون من يستمع إليهم, ويستجيب لهم, ويتسامح مع تجاوزاتهم, ولدي الجميع شعور بأنهم ـ أخيرا ـ حصلوا علي حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية ممارسة الضغوط, ويقابلون بالتفهم والتفاهم, وكانوا من قبل يقابلون بالإهمال واللا مبالاة, أو يقابلون بقوات الأمن المركزي وفرق مكافحة الشغب ثم يجدون أنفسهم في غرف التعذيب.

وزاد علي ذلك ظهور جماعات لم تكن ظاهرة أرادت أن تثبت وجودها وتفرض نفسها علي الثورة, وبالغت في الصخب والشغب ظنا منها بأنها سوف تتقدم الصفوف وتحتل مواقع في القيادة بتخويف الآخرين منها بالعنف أو بالصوت العالي, أو بتنفيذ ما تعتقد أنه صواب من هدم أضرحة أو استيلاء علي مساجد بالقوة أو بمنع محافظ من تولي مسئوليته أو بإبداء الاعتراض علي أحكام القضاء بالاعتداء علي القضاة وعلي المحكمة, إلي غير ذلك من صور الخروج علي القانون أو علي النظام العام أو علي الأخلاق والقيم, والذين يطالبون بمطالب فئوية يشبهون ـ بتعبير الدكتور معتز عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية ـ عملية حلب البقرة, وهم يعلمون أنه لا يوجد بها لبن, وإذا حلبوها ستموت وقد ترك النظام السابق البلد خاوية أو شبه خاوية ولا تحتمل كل الضغوط التي يمارسها أصحاب المطالب الفئوية, وقد أصبحت الحقيقة ظاهرة للجميع والعناوين الرئيسية باللون الأحمر في الصحف تعلن أن الاقتصاد دخل مرحلة الخطر.

وإذا كانت الثورة المصرية قد نالت إعجاب العالم بالسلوك الحضاري الراقي للمصريين أثناء ثورتهم ولم يسبق أن شهد العالم مثل هذه الثورة علي مدي التاريخ, فإن العالم يبدي القلق في الوقت نفسه مما يحدث في الساحة من اضطرابات وشغب وجرائم, وقد عبرت عن ذلك صحيفة تلجراف البريطانية فقالت إن قوي الظلام في المجتمع المصري أصبحت مطلقة العنان, وطبقة الفقراء والطبقة المتوسطة العاملة ضحايا هذا العبث بمصالح المجتمع, وإن نظرية المؤامرة أصبحت هي رد الفعل الطبيعي للانهيار الذي حدث للأمن, وللسلوك الإجرامي الذي ساد في الشوارع. والمراقبون في الخارج معهم الحق حين يعبرون عن الدهشة والقلق إزاء ما يحدث. فما حدث في امبابة خطير جدا وله دلالة تثير الخوف علي المستقبل, وكذلك ما حدث في ماسبيرو, فقد سالت دماء واستخدمت أسلحة من مصريين ضد مصريين, والهدف واضح هو خلق حالة من التعصب وإيجاد شرخ وانقسام في المجتمع المصري الذي يحرص علي العيش المشترك موحدا ومتماسكا.

هذه مرحلة حرجة, فيها تهديد للحياة ولوحدة المجتمع ولضمان لقمة العيش للملايين وتهديد للثورة.

ولابد من وقفة حازمة مع النفس, فالثورة لم يشتد عودها بعد, بينما القوي المعادية للثورة ـ في الداخل والخارج ـ منظمة من قبل ولديها مخطط جاهز يجري تنفيذه أمام عيوننا, أعداء الثورة كانت لديهم الفرصة لسنوات للاحتياط والاستعداد وتجنيد العملاء والأتباع, بينما قوي الثورة لم تستكمل تنظيم صفوفها وبلورة أهدافها وسياساتها وإنشاء أحزابها وترشيد خطواتها وأفكارها.

باختصار: هذه ليست مرحلة ممارسة الضغوط أو الابتزاز, وليست مرحلة الاقتتال وإشعال الصراع الطائفي والانسياق دون وعي إلي تسهيل تنفيذ مخطط تمزيق الوطن وإهدار طاقة أبنائه وتهديد الأمن القومي وقطع الطريق علي مسيرة البناء, هذه مرحلة توحد المصريين للمحافظة علي بلدهم واقتصادهم وقطع أيدي الذين يصنعون الفوضي والفتنة والتفرغ لصناعة المستقبل.

ويا أصدقاء الثورة اتحدوا.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف