ثورة52 يناير في مصر هي في الأساس ثورة من أجل الحرية, والغضب الشعبي الذي ساد في جميع أنحاء البلاد انفجر بعد تضييق الخناق وسد منافذ التعبير عن الرأي واحتكار السلطة والثروة, وحرمان الملايين من كل صورة من صور المشاركة.
وفي الدراسة التي أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء عن أسباب قيام الثورة جاء في مقدمة هذه الأسباب تزوير الانتخابات في المجالس المحلية ومجلسي الشعب والشوري, وتجاهل الطعون وأحكام القضاء ببطلان الترشيح والنتائج, وتأتي بعد ذلك الأسباب الأخري, وهي انتشار الفساد, والرشوة, واستغلال النفوذ, وإهدار المال العام, ونهب ثروات البلاد, والصفقات غير المشروعة, وإهدار المال والتعذيب, وزيادة أعداد المسجونين بدون محاكمة, وتدهور أحوال الفقراء, وزيادة التفاوت الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء, وارتفاع معدل البطالة بين الشباب, وزيادة التدفقات المالية غير المشروعة من مصر إلي الخارج والتي وصلت إلي13 مليار جنيه سنويا وفقا لقياس منظمة النزاهة المالية.. كل ذلك والحقائق غائبة والتضليل الإعلامي سيد الموقف!
هذه الأسباب التي تراكمت سنوات طويلة دون أن تلتفت إليها الحكومات السابقة هي التي تسبب الانفجارات التي نشهدها الآن في أكثر من موقع, ومن أكثر من جماعة, والحكومة الحالية غير مسئولة عنها ولم تشارك في صنعها, ولكنها أصبحت في المواجهة مسئولة عن جعلها في أولويات جدول أعمالها, وإيجاد الحلول علي المدي القصير والمدي الطويل, وإذا كانت الاستجابة لكل هذه المطالب وحل المشكلات المتراكمة دفعة واحدة غير ممكن فلا أقل من تشكيل لجنة وزارية لدراسة هذه المطالب مع أصحابها والتفاوض علي جدول زمني لتحقيقها, والمهم أن تكون هناك قنوات اتصال وأن تشعر كل فئة وكل جماعة أن هناك من يستمع إليها ويتفهم حقيقة مشكلاتها ويقتنع بعدالة مطالبها ويشرح بشفافية إمكانات الحكومة الآن, وما تقدر علي تحقيقه فورا وما تعد بتحقيقه في أجل زمني محدد, وتبدأ في اتخاذ إجراءات تدل علي الجدية في التنفيذ, فبعد سنوات من إغلاق المنافذ أمام الناس لابد أن يجدوا متنفسا يفتح لهم طاقة أمل في إصلاح أحوالهم التي لم يعد في مقدورهم السكوت عليها.
وتبقي الحرية هي المحور لكل المشكلات والحلول.. غياب الحرية هو السبب الأول في تراكم الظلم والإحساس بفقدان الأمل, ولابد من وجود قنوات للتواصل بين القيادات والقاعدة.. في الفترة الماضية انقطعت خطوط الاتصال بين القاعدة والقيادة, واقتصرت العلاقة علي الخطاب الرسمي من أعلي إلي أسفل, واكتفت القيادات بالوقوف علي منصات الخطابة واحتكار الحديث وإصدار التوجيهات والانفراد باصدار القرار, وانعدم الحوار الحقيقي وظهرت ادعاءات الحوار الزائف من طرف واحد.
وثورة الحرية تلزم بضرورة البدء وفورا بإعادة الحياة إلي النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية لكي تقوم علي أساس ديمقراطي حقيقي ويكون أعضاؤها هم أصحاب الحق في إدارتها, وهناك إشارات علي بدء رفع الوصاية الحكومية علي النقابات العمالية, وربما البقية تأتي قريبا, وأيضا بدأت خطوات لرفع القيود التي فرضت علي اتحادات الطلاب في الجامعات والمدارس, وفرض الوصاية عليها بحيث كانت أسيرة للأمن وللأساتذة وللعاملين بإدارات رعاية الشباب, والبداية كانت في جامعة القاهرة التي قامت بحل اتحاد الطلاب السابق وإجراء انتخابات جديدة حرة حرية حقيقية, وبقي أن تحذو بقية الجامعات حذوها, وبعدها لابد من استكمال تشكيل هذه الاتحادات علي مستوي الجمهورية.
وفي منظومة بناء الديمقراطية يأتي قانون الأحزاب الجديد الذي يسمح بحرية تأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار ولمن شاء الطعن في إنشاء حزب أن يلجأ إلي محكمة القضاء الإداري كسلطة غير سياسية وبدون مشاركة عناصر غير قضائية فيها حتي لا تفقد صفتها المستقلة المحايدة, ويكفي أن تقتصر شروط تأسيس الأحزاب علي عدم الخلط بين الدين والسياسة, أو وجود تشكيلات عسكرية وألا يتضمن نشاطها أعمالا معادية لمقومات المجتمع الواردة في الدستور, أو الارتباط بأي صورة بأحزاب أو تنظيمات في دول أجنبية, وبذلك يجد كل رأي وكل تيار فكري وسيلة شرعية للتعبير عن نفسه دون أن يلجأ إلي العمل السري, ويكون للشعب الحكم علي بقاء أو موت الحزب, ومن خلال الانتخابات والإقبال أو عدم الإقبال عن العضوية تكتب شهادة الميلاد أو شهادة الوفاة للحزب دون تدخل أي جهة.
ومن تجليات ثورة الحرية إلغاء وزارة الإعلام التي لا وجود لها إلا في الدول المتخلفة والاكتفاء باتحاد الإذاعة والتليفزيون, ولكي يكتمل استقلال هذا الاتحاد وتعبيره عن كل أطياف المجتمع يجب تعديل قانونه, بحيث يكون تمثيل الأحزاب في مجلس الأمناء وجوبيا, والنص في القانون علي الحق المتساوي لكل الأحزاب في التعبير عن آرائها ومواقفها في القضايا المختلفة, خاصة في أثناء الحملات الانتخابية وفرض عقوبات علي مخالفة ذلك, والنص أيضا علي حق العاملين في الإذاعة والتليفزيون في تكوين نقابة لهم.
هذه بعض ـ وليست كل ـ الخطوات التي تلزم لبناء مجتمع حر يليق بنا في القرن الحادي والعشرين.