أمامنا ألف دليل علي أن الفتنة مشتعلة, وأن هناك هجوما مضاد علي الثورة وأهدافها وإجراءاتها, وهذا الهجوم ينفذ بمنتهي الذكاء, بالشائعات وبالحرب النفسية وبالتشكيك في الأهداف والأشخاص من قادة وحماة الثورة, وأيضا باستخدام ميليشيات المرتزقة والبلطجية, وبإطلاق الطابور الخامس ليعمل علي تغيير مسار الثورة وتفجيرها من الداخل.
وهناك نوعان من البلطجية في مصر, بلطجية أعمال حرة يعملون لحساب أنفسهم من قبل الثورة بدوافع الفقر والمخدرات والطبيعة الإجرامية, وجدوا في الفراغ الأمني فرصتهم ليسلبوا الناس أموالهم وممتلكاتهم بالعنف وبتهديد السلاح, وبلطجية موظفون في قطاع منظم, وهناك شخصيات معروفة, وتنظيمات سياسية وجماعات مصالح لكل منها ميليشيا تتحرك بالأوامر في المعارك الانتخابية, وربما كان منها بلطجية واقعة الجمال والخيول في ميدان التحرير, وبلطجية الفريق الأول يتم القبض عليهم ومحاكمتهم أمام النيابة العسكرية, ومن الممكن أن تقلص أعدادهم في فترة قريبة, أما الميليشيات المنظمة فسوف تكون هي المشكلة لأنها تعيش تحت حماية من يملكون حمايتهم حتي الآن علي الأقل, وهم يعملون تحت غطاء أنهم عمال في شركات أو مزارع فلان باشا أو فلان بك, ولا يظهرون إلا لتصفية تجمعات أو لإثارة الفوضي والرعب في لحظة معينة وفي أماكن معينة ولأهداف سياسية أو شخصية, يظهرون فجأة ويختفون فجأة, وظيفتهم إثارة الفتنة بكل صورها.
والفتنة لها أهداف أولها تشويه الثورة وأهدافها النبيلة, وخلق حالة من التشويش والتشكيك للوقيعة بين الشعب والشرطة من ناحية, ومن ناحية أخري بين الشعب والقوات المسلحة إن أمكن, وذلك لأن الشرطة هي الضمان للاستقرار والأمن, والجيش هو الحامي للثورة وللشعب وللحريات وللمطالب الشعبية المشروعة. وهو القوة المتماسكة القادرة علي التصدي للفتنة, وهو الذي يتمتع بثقة الشعب, وهناك من يريد إفساد هذه العلاقة لايجاد الثغرة التي ينفذ منها لاستعادة الأوضاع السابقة كما كانت وربما أكثر مما كانت, وهذا ـ في نظرهم ـ ممكن جدا, لأن الثورة ـ كما قيل بحق ـ لم تسقط النظام بعد, ومازالت القوي المستفيدة من النظام السابق قادرة علي القيام بالهجوم المضاد خطوة خطوة وهي تفعل ذلك علي أمل أن تأتي اللحظة المناسبة للانقضاض والهجوم الكبير.
والفتنة بين المسلمين والأقباط هي أهم أهداف الثورة المضادة وأمامنا شواهد علي أعمال كان من الممكن أن تؤدي إلي زعزعة أركان المجتمع وشحن النفوس علي الجانبين بالغضب والكراهية, وآخرها جريمة هدم كنيسة صول, من فعلها ولماذا وكيف؟ وقد يكون ممكنا تحديد من فعلوها, فهل يمكن التوصل إلي من وراءهم ومن المستفيد مما جري؟
ولماذا جاء أشخاص من الخارج للتحريض علي المظاهرات وقيادتها؟
والفتنة تعمل بنشاط علي إثارة قضايا في غير وقتها المناسب والتي يمكن مناقشتها عندما يعود الهدوء وننتهي من انجاز الأولويات التي تفرضها الثورة, وبعد ذلك هناك قضايا كثيرة جدا تنتظر دورها, الانتخابات والدستور الجديد وتغيير القوانين الفاسدة التي كانت الأساس الذي انتشر وتوغل الفساد في حماه, وتغيير الإدارة الحكومية لتعمل لخدمة الشعب فعلا, وليس من المنطقي أن يقود ـ أو يظهر ـ في هذه المرحلة من لا يؤمن بالديمقراطية, وأن يضع قواعد العدالة الاجتماعية من قنن وساند ـ وبرر ـ الظلم الاجتماعي وزيف إرادة الأمة, وشارك في تزوير الانتخابات, وليس من المنطقي أن يظن أعضاء مجالس الشعب السابقة الذين اغتصبوا مقاعدهم بالتزوير والبلطجية والرشوة أن الشعب يمكن خداعه, والناس يعلمون من الذي سرق إرادتهم واستغلوا الحصانة لارتكاب الجرائم والإثراء غير المشروع.
والثورة تكون ثورة عندما تكتب صفحة جديدة ولا تكتفي بإزالة وإضافة سطور وهوامش علي الصفحة القديمة, الثورة غير الإصلاح, الإصلاح مثل تنكيس بيت آيل للسقوط مع الإبقاء عليه, والثورة هدم البيت القديم وإعادة بنائه من جديد علي أساس جديد وبمواصفات جديدة وبأيدي أصحابه الحقيقيين وليس بأيدي الذين اغتصبوا البيت القديم وحرموا أصحابه الحقيقيين.
ومع ذلك, فهناك من يدعو إلي استمرار الأوضاع كما هي, وادعاء أن ما حدث في مصر هو مجرد أحداث أو حركة احتجاجية, ويحذرنا من استخدم عبارة الثورة المضادة لأنها في رأيهم من العبارات المستحدثة التي تدل علي شيء غير موجود, وهؤلاء لم يقرأوا تاريخ الثورات. وكلها عاشت معركتين: معركة القيام بالثورة ومعركة المواجهة مع الثورة المضادة.
الفتنة لن تنتهي بسهولة, أو في وقت قصير, فهذه معركة النفس الطويل, لقد قام الشعب والجيش بالجهاد الأصغر, وبقي الجهاد الأكبر ضد أعداء الثورة ومعركة بناء مجتمع جديد.