فلســفة الثــورة

تعتبر ثورة‏25‏ يناير فريدة في نوعها‏,‏ فقد حققت ما يشبه المعجزة خلال أيام معدودة بالنسبة لغيرها من الثورات التاريخية‏,‏ وكان انحياز الجيش إلي جانب الشعب هو العامل الحاسم في نجاحها‏.‏وتعيد هذه الثورة إلي الذاكرة ذكريات ثورة‏23‏ يوليو التي كانت أيضا ثورة سلمية‏,‏ حققت التغيير‏.

..‏ تغيير كل شيء في حياة المصريين ابتداء من إنهاء الحكم الملكي‏,‏ والتخلص من الاستعمار‏,‏ إلي القضاء علي الاقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم‏,‏ وإن كانت لم تحقق اقامة الحياة الديمقراطية السليمة التي وعدت بها الشعب‏,‏ وجاءت ثورة‏25‏ يناير لتحقيق مبدأي الديمقراطية والعدل الاجتماعي‏.‏

ثورة‏23‏ يوليو كانت طليعتها من القوات المسلحة عبرت عن إرادة الشعب‏,‏ ولذلك انضم إليها الشعب علي الفور‏,‏ وثورة‏25‏ يناير كانت طليعتها من الشباب‏,‏ وانضم إليها الشعب والقوات المسلحة علي الفور‏..‏ ثورة‏23‏ يوليو بدأت بإجراءات ثورية اقتلعت جذور النظام الفاسد وبدأت في إقامة نظام سياسي واقتصادي جديد يختلف الباحثون اليوم حوله باختلاف توجهاتهم ومناهجهم ومصالحهم‏..‏ وما أريده الآن هو أن أشير إلي أن ثورة يوليو بدأت بإعلان فلسفة الثورة حددت فيه الخطوط العريضة‏,‏ أو الإطار العام‏,‏ والتوجهات الأساسية لهذه الثورة‏.‏

وحددت بوضوح أهمية انتماء مصر القومي العربي‏,‏ والإفريقي‏,‏ والإسلامي‏,‏ وهذا هو الطبيعي في كل ثورة‏..‏ فليست هناك ثورة لا تعلن إلا إرادتها في تغيير شخص أو أشخاص‏,‏ ومحاسبة المسئولين عن الفساد والانحراف بالسلطة‏,‏ وتطهير البلاد‏,‏ وهذه إجراءات لا يختلف عليها أحد كبداية وليست النهاية‏,‏ لأن الثورة تهدم وتبني‏,‏ تهدم النظم والكيانات الفاسدة ولا تكتفي بذلك وإنما تهدم لتقيم بناء جديد الا يشوبه شيء من الفساد القديم‏.‏ الثورة لابد أن تهدم ليس لمجرد الهدم‏,‏ ولكن لاعداد المجتمع لاقامة البناء الجديد‏,‏ وهذا هو الطبيعي‏,‏ فليس هناك هدم من أجل الهدم فقط‏,‏ وليس هناك بناء جديد بدون هدم القديم‏,‏ وتمهيد الأرض للبناء‏.‏

ولكن هذه الثورة في حاجة الآن إلي الاتفاق علي المبادئ والإطار العام وفلسفة التوجه الجديد‏.‏ هل هي نفس المبادئ والفلسفة التي كانت قبل‏25‏ يناير أو أن لديها مبادئ وفلسفة جديدة‏.‏ والاتفاق علي ذلك لا يكون باجتهادات شخصية‏,‏ ولا بانفراد كل مجموعة من المجموعات التي شاركت في الثورة في بلورة مبادئها وفلسفتها بمعزل عن غيرها‏,‏ ولا يمكن أن يتم ذلك بدون مشاركة القوات المسلحة‏.‏ ولذلك أظن أننا في حاجة إلي مؤتمر وطني تشارك فيه جميع الأطراف الممثلة لهذه الثورة‏,‏ وتسبقه لجنة تحضيرية تعد تصورا مبدئيا لصورة المستقبل وتحدد الطريق للاصلاح والتحديث والتغيير‏.‏ كما تحدد توجه هذه الثورة‏:‏ مع من وضد من وكيف تري مسار السياسة الخارجية‏,‏ والنظام السياسي في الداخل‏,‏ والنظام الاقتصادي‏,‏ وأوجه الاصلاح في المجتمع شيء أقرب إلي برنامج العمل الوطني يضمن وضوح الرؤية أمام الحكومة‏,‏ ومؤسسات الدولة‏,‏ وأفراد المجتمع‏,‏ ويكون الحساب لكل هيئة وكل مؤسسة وكل قيادة علي أساس ما تحقق منه ومالم يتحقق‏.‏ والفكرة أن التحرك بدون خريطة للطريق‏,‏ أو بدون علامات ارشادية‏,‏ واتفاق علي ما يجب عمله‏,‏ سيؤدي إلي تعدد الاجتهادات‏,‏وربما يؤدي إلي الانحراف عن الهدف الذي قامت هذه الثورة لتحقيقه‏.‏

الفكرة أن توصيف ما تشكو منه وما نريد تغييره أمر مهم‏,‏ ولكن الأهم هو الاتفاق علي ما نريد أن يكون عليه الحال‏.‏ فقد تم تشخيص ما يريد الشعب تغييره مثل جمود المشاركة السياسية والانفراد باتخاذ القرار وتزاوج السلطة والثروة وانتشار الفاسد وصعوبة الحياة بالنسبة للملايين بسبب غياب العدل الاجتماعي وتوجيه اقتصاد البلد لتحقيق مصلحة فئة محدودة والتفريط في أصول البلد‏,‏ وإضعاف الأحزاب‏,‏ وتزايد العقوبات علي الرأي‏,‏ وعدم الالتزام بحكمة القانون واهمال الصناعة والزراعة‏..‏ وغيرها‏..‏ وغيرها مما يريد الشعب التخلص منه‏,‏ ولكن ماذا يريد الشعب أن يكون عليه البلد اليوم وغدا وفي المستقبل القريب والمتوسط والبعيد‏..‏ ماهي الرؤية وماهي فلسفة العمل وماهي معايير التقدم‏.‏

القضية أن مصر بمكانتها كما ظهرت للجميع في الأحداث الأخيرة تستحق أن تلتحق بقطار التقدم العالمي‏,‏ وحكمة القرن الحادي والعشرين‏:‏ لا تزيدوا من سلطة الحكم أكثر مما يجب وإدراك أن قطار التقدم كان قبل ذلك يسير بطيئا فيمكن اللحاق به أما اليوم فنحن في عصر القطار الطائر ومن لا يلحق به في الوقت المناسب فقد لايلحق به أبدا‏!.‏


 


 


 


 



 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف