حماية الثورة أولا

حماية الثورة لها الآن الأولوية المطلقة اسقطت ثورة‏25‏ يناير كثيرا من الأفكار والنظريات والفلسفات التي كانت سائدة‏,‏ كانت سائدة نظرية تقول إن الشعب المصري لاتهمه الديمقراطية وليست الحرية هي قضيته الأولي وإنما قضيته هي الخبز إلي أن اثبت الشعب المصري في ثورته أن الحرية والديمقراطية والكرامة لا تقل أهمية عن لقمة العيش‏.‏

وربما لم يفهم البعض في البداية كيف اندلعت هذه الثورة في جميع انحاء البلاد ليس فقط في العاصمة أو في ميدان التحرير وحده وكيف تحولت إلي كرة ثلج يزداد حجمها يوما بعد يوم بانضمام الشيوخ والنساء والاطفال إلي الشباب الذين كانوا الطليعة وواجهوا الموت من أجل الحرية بجناحيها‏:‏ الحرية السياسية والحرية الاجتماعية لذلك كانت الشعارات المرفوعة كلها شعارات سياسية‏..‏ نظام جديد‏..‏ دستور‏..‏ انتخابات حرة حرية حقيقية بمجلس الشعب والنقابات والمحليات تعبر عن ارادة الشعب‏,‏ وتجديد مدة الرئاسة واعطاء سلطات حقيقية بمجلس الشعب منها سحب الثقة من الحكومة وتعديل الميزانية ومراقبة أوجه الانفاق في كل المجالات والواقع دون استثناء وإطلاق تكوين الاحزاب وتحويل الشفافية من مجرد كلمة بلا مضمون إلي ممارسة وأسلوب عمل بحيث تفرض عقوبات جنائية علي كل من يكذب علي الشعب أو يخفي عنه الحقائق ومحاربة الفساد واستعادة أموال الشعب المنهوبة ولم تكن للثورة مطالب فئوية ولم تظهر المطالب الفئوية إلا بعد ذلك تعبيرا عن المظالم المتراكمة واختلال موازين العدالة في الأجور وفي توزيع عائد النمو الاقتصادي‏.‏

المشكلة كانت في غياب الرؤية التي تضع تصورا للمستقبل وغياب الحلم أو المشروع القومي وكان يقال دائما إن الناس مشغولون بالحاضر ويهمهم أن يعيشوا اليوم ويتركوا الغد للأقدار لكن اثبتت جماهير‏25‏ يناير أنهم يفكرون في المستقبل ولديهم تصورات لما يجب أن يكون عليه ولديهم الثقة والتفاؤل بقدرتهم علي تحقيق التغيير الذي طال انتظاره بأكثر مما يجب وكان يقال إن المصريين انتشرت فيهم اخلاق الحقد والسلبية والنفاق واثبتت جماهير الثورة عكس ذلك وسجل المتخصصون في علم النفس السياسي أن المصري تجاوز ذاته ولم يعد يهتم إلا بهدف رئيسي واحد هو الحرية وأن المسئولين عن الفساد هم الذين يعانون الآن من الاحباط والاحساس بالدونية والفشل والخيانة علي الرغم من محاولاتهم الظاهرية الفاشلة للدفاع عن أنفسهم وتحسين صورتهم وبعضهم يحاول الدفاع عن الاخطاء والانحرافات والجرائم والادعاء بأنها كانت من صالح الأعمال‏!‏

ظهر طوال أيام الثورة أن تصرف الجموع دون استثناء يتسم بالتعقل ولم يرتكب أحد منهم ما يمكن أن يوصف بالتهور أو بسلوك يدل عن عدم المسئولية وهذا السلوك الحضاري المحترم هو الذي يجب أن يستمر وأن يكون السمة لكل تصرفات المصريين اليوم وغدا وبعد غد لا للفوضي ونعم للعقل وضبط النفس والوعي الشعبي كفيل بحماية هدف الثورة من الادعياء والانتهازيين الذين يحاولون القفز عليها واختطافها أما الذين هربوا فلن يفلتوا من الحساب والقصاص ولم يعد علي الأرض مكان بعيد لا تطوله يد القانون في عصر العولمة والاتفاقات الدولية لمكافحة غسل الأموال والتزام الدول بمطاردة المطلوبين للعدالة وفي نفس الوقت فإن مطالبة الناس بالهدوء يجب أن يتزامن معها إجراءات عملية تطمئن إلي استمرار التغيير والإصلاح ومما يطمئن أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة استمع إلي أفكار ومطالب ممثلي الشباب الذين فجروا هذه الثورة‏.‏ ومما يطمئن أكثر أن قرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة لا تدع مجالا للشك في استحالة العودة إلي الوراء وأن إدارة الدولة تتم باحساس وطني وبوعي شديد بالمخاطر الداخلية والخارجية مما يجعل من المستحيل تحقيق مخاوف البعض من قيام ثورة مضادة تسير بالبلاد عكس الاتجاه لأن هذا الاحتمال يواجهه الوعي الشعبي الذي لايزال يقظا ومتحفزا لحراسة ثورته إلي جانبه القوات المسلحة قاعدة الوطنيةوالحارسة لمصالح الشعب‏.‏

لقد انتهت مرحلة التعبير عن الغضب بعد أن حققت هدفها ولم تعد مناسبة للمرحلة التالية كذلك فان مرحلة التعبير عن المطالب يجب أن تعطي الفرصة لتحقيقها ابتداء بمحاربة الفساد وبتصحيح هيكل الأجور من الاختلال الكبير الذي جعل البعض يحصل علي الملايين بينما الملايين من المصريين تعيش علي خط الفقر وهذا التفاوت الكبير في الأجور والمزايا هو نوع من الفساد المالي والإداري يؤدي بالضرورة إلي السخط والاحباط والقلق الاجتماعي والعدل الاجتماعي هو الذي يحقق الأمن والاستقرار حين يلمسه الناس متحققا بالفعل بعد أن سمعوه مرارا وتكرارا حتي اصابهم الملل من سماعه الناس تريد تعليما جيدا وعلاجا حقيقيا وعودة إلي تكافؤ الفرص وإدارة حكومية تحترم المواطن ودولة تحترم القانون وأحكام القضاء بالفعل‏..‏ الناس تريد كثيرا من العمل وقليلا من الخطب وذلك لا يمكن أن يتم إلا في جو من الأمن والهدوء‏,‏ ولابد أن نعطي الفرصة لتحقيق الأمن والهدوء لتحقيق المطالب‏..‏ فالدنيا لم تخلق في يوم واحد‏.‏


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف