الشباب يعلمنا‏..‏

يجب الاعتراف بأن الشباب في مصر أكثر وعيا واخلاصا من جيل الآباء‏.‏ فهم أبناء عصر جديد لم يدرك الآباء طبيعته‏,‏ ولم يفهموا الرسائل التي كانت تعبر عن الروح الجديدة التي تسري في المجتمع المصري.

 وينظر اليها المسئولون علي أنها احلام أو ربما أوهام الشباب‏,‏ واخيرا لم يجد الشباب بدا من أن يدق الاجراس ويرفع الصوت بأعلي ما لديه من قوة لكي يستيقظ الغافلون وتنبه الواهمون‏.‏

الآن وصلت الأصوات الي الآذان‏,‏ واعلنت الدولة رسميا أن مصر تغيرت‏,‏ ولم تعد هناك مشكلة في تنفيذ كل المطالب الشعبية وأن القوات المسلحة تضمن ذلك‏,‏ بما في ذلك التعديلات الدستورية‏,‏ وحل مجلس الشعب المشكوك في شرعيته‏,‏ ومحاربة الفساد‏,‏ وأن التغيير سوف يتواصل مع بدء ولاية الرئيس الجديد‏.‏

وقد بدأ العمل بالفعل لتنفيذ ذلك‏,‏ ومن الطبيعي أن الزمن عنصر ضروري لكل عمل‏,‏ وليس هناك عمل يتم بدون أن يستغرق زمنا‏,‏ والمهم ألا يكون هذا الزمن أقل مما يجب فنقع في الارتجال والعشوائية ونصحح الاخطاء بمزيد من الاخطاء‏,‏ وألا يكون الزمن أطول مما يجب فنفع في التسويف والمماطلة وتبديد طاقة المطالبين بالتغيير وهذا الأمر متروك للرقابة الشعبية‏,‏ فكل شيء سيتم لابد أن يكون في النور والعلن وتحت عيون الناس لضمان هذه الرقابة الشعبية‏.‏

ولا بد من الاعتراف بأن الشباب أعطانا دروسا كنا في حاجة اليها‏..‏ فقد كنا نراهن علي المثقفين ليقودوا التغيير والاصلاح وليعلموا الشباب الوطنية والانتماء‏,‏ ولم نفهم الرسائل التي كانت تأتينا طوال سنوات ماضية من شباب جديد في مصر أكثر وطنية واخلاصا‏,‏ وأكثر علما ودراية بما في العالم من ثورات الحرية والعدل‏,‏ وأكثر ارادة وقدرة علي المبادرة وقيادة التغيير والاصلاح‏,‏ وليس لدي المثقفين الآن إلا أن يسيروا خلفهم‏.‏

وكنا نكتب‏,‏ ونقول كلاما كثيرا عن ضرورة التغيير‏,‏ لكن الشباب كانوا يدركون أن وقت الكلام انتهي مع نفاد الصبر‏,‏ وأن وقت العمل قد حان‏,‏ وأن عليهم ان يقوموا بما عجزت النخبة عن القيام به‏.‏ ومن الآن فان المدة المتبقية لاجراء الانتخابات يجب أن يكون العمل فيها بسرعة يري الشباب اجراءات وتنفيذ وليس كلاما وتصريحات‏,‏ لأن أزمة الثقة تعمقت ولم يعد الكلام مجديا في معالجتها‏.‏ يجب أن يري الناس بكل وضوح أن مصر أصبحت دولة القانون التي يطبق القانون فيها علي الجميع دون استثناء ودون تحايل أو التواء‏,‏ وأن العمل التنفيذي يسير علي طريق جديد يتم فيه الافراج عن المعتقلين‏,‏ وتنفذ فيه أحكام القضاء‏,‏ وينتهي فيه انحياز الدولة للأغنياء علي حساب الفقراء‏.‏

إن الشباب يعلمنا في هذه الأيام كيف يكون التعبير عن الرأي بأسلوب حضاري راق‏,‏ لم تحدث خلاله حادثة تخريب واحدة‏,‏ ولا شكوي واحدة من التحرش‏,‏ وثبت خطأ الظن بأن الشباب المصري ينقصه الحس السياسي‏,‏ والوعي بحقائق الأمور التي كانت تجري في الخفاء‏,‏ وثبت أن الشباب لديه الشجاعة حتي في مواجهة الرصاص وقنابل الغاز وخراطيم المياه والعصي المكهربة‏,‏ وجحافل البلطجة الهمجية‏.‏ وثبت أنه ليس من حق أحد أن يحتكر الحق والقدرة علي التفكير في مصلحة البلد ومستقبله‏,‏ وأن هناك كتلة ضخمة في أنحاء البلاد تشعر وتفكر وترفض وان كانت صامتة انتظارا لتحقيق الوعود بالتغيير‏,‏ فان للصمت والانتظار وللصبر نهاية‏,‏ وعلي الذين رفضوا الاستماع اليهم‏,‏ أو تعالوا عليهم‏,‏ أو قللوا من قيمة مشاعرهم وأحلامهم عليهم أن يدركوا الحقيقة اليوم‏..‏ وتعلمنا من الشباب أن خطوات كثيرة للاصلاح كنا نظن أنها تحتاج إلي عشرات السنين لكي تتحقق أمكن تحقيقها في أيام معدودة والبقية تأتي‏.‏

ويعلمنا الشباب أنهم لم يقعوا في دائرة الغرور بما حققوه من انجازات كانت تبدو مستحيلة أو بعيدة المنال‏,‏ وأنهم ليسوا جيل المظاهرات والاعتصامات فقط ولكنهم قادرون علي الحوار بوعي ونضج ظهر في أحاديثهم وحواراتهم‏.‏ واثبتوا خطأ الذين قالوا إن هذا الشباب يعرف ما يرفضونه ولا يعرفون ماذا يمكن عمله‏,‏ فقد أثبتوا أن لديهم رؤية واضحة للاصلاح ولمستقبل بلدهم‏.‏

بقي أن يتفق الشباب علي من يمثلهم لتكون لهم قيادة موحدة‏,‏ فليس من المنطقي أن يكون هذا التجمع الشعبي الكبير الواعي غير قادر علي افراز قيادة تتحدث باسمها وتعبر عن ارادتها‏,‏ وليس لهذه القيادة امتيازات فهذه ثورة علي الامتيازات والرشوة‏,‏ ولكن ستكون عليها مسئولية التعبير عن ارادة الشباب‏,‏ لأن الهتافات واللافتات لا تكفي بدون بلورة المطالب والدفاع عنها‏.‏


 


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف