يجب الاعتراف بأن الشباب في مصر أكثر وعيا واخلاصا من جيل الآباء. فهم أبناء عصر جديد لم يدرك الآباء طبيعته, ولم يفهموا الرسائل التي كانت تعبر عن الروح الجديدة التي تسري في المجتمع المصري.
وينظر اليها المسئولون علي أنها احلام أو ربما أوهام الشباب, واخيرا لم يجد الشباب بدا من أن يدق الاجراس ويرفع الصوت بأعلي ما لديه من قوة لكي يستيقظ الغافلون وتنبه الواهمون.
الآن وصلت الأصوات الي الآذان, واعلنت الدولة رسميا أن مصر تغيرت, ولم تعد هناك مشكلة في تنفيذ كل المطالب الشعبية وأن القوات المسلحة تضمن ذلك, بما في ذلك التعديلات الدستورية, وحل مجلس الشعب المشكوك في شرعيته, ومحاربة الفساد, وأن التغيير سوف يتواصل مع بدء ولاية الرئيس الجديد.
وقد بدأ العمل بالفعل لتنفيذ ذلك, ومن الطبيعي أن الزمن عنصر ضروري لكل عمل, وليس هناك عمل يتم بدون أن يستغرق زمنا, والمهم ألا يكون هذا الزمن أقل مما يجب فنقع في الارتجال والعشوائية ونصحح الاخطاء بمزيد من الاخطاء, وألا يكون الزمن أطول مما يجب فنفع في التسويف والمماطلة وتبديد طاقة المطالبين بالتغيير وهذا الأمر متروك للرقابة الشعبية, فكل شيء سيتم لابد أن يكون في النور والعلن وتحت عيون الناس لضمان هذه الرقابة الشعبية.
ولا بد من الاعتراف بأن الشباب أعطانا دروسا كنا في حاجة اليها.. فقد كنا نراهن علي المثقفين ليقودوا التغيير والاصلاح وليعلموا الشباب الوطنية والانتماء, ولم نفهم الرسائل التي كانت تأتينا طوال سنوات ماضية من شباب جديد في مصر أكثر وطنية واخلاصا, وأكثر علما ودراية بما في العالم من ثورات الحرية والعدل, وأكثر ارادة وقدرة علي المبادرة وقيادة التغيير والاصلاح, وليس لدي المثقفين الآن إلا أن يسيروا خلفهم.
وكنا نكتب, ونقول كلاما كثيرا عن ضرورة التغيير, لكن الشباب كانوا يدركون أن وقت الكلام انتهي مع نفاد الصبر, وأن وقت العمل قد حان, وأن عليهم ان يقوموا بما عجزت النخبة عن القيام به. ومن الآن فان المدة المتبقية لاجراء الانتخابات يجب أن يكون العمل فيها بسرعة يري الشباب اجراءات وتنفيذ وليس كلاما وتصريحات, لأن أزمة الثقة تعمقت ولم يعد الكلام مجديا في معالجتها. يجب أن يري الناس بكل وضوح أن مصر أصبحت دولة القانون التي يطبق القانون فيها علي الجميع دون استثناء ودون تحايل أو التواء, وأن العمل التنفيذي يسير علي طريق جديد يتم فيه الافراج عن المعتقلين, وتنفذ فيه أحكام القضاء, وينتهي فيه انحياز الدولة للأغنياء علي حساب الفقراء.
إن الشباب يعلمنا في هذه الأيام كيف يكون التعبير عن الرأي بأسلوب حضاري راق, لم تحدث خلاله حادثة تخريب واحدة, ولا شكوي واحدة من التحرش, وثبت خطأ الظن بأن الشباب المصري ينقصه الحس السياسي, والوعي بحقائق الأمور التي كانت تجري في الخفاء, وثبت أن الشباب لديه الشجاعة حتي في مواجهة الرصاص وقنابل الغاز وخراطيم المياه والعصي المكهربة, وجحافل البلطجة الهمجية. وثبت أنه ليس من حق أحد أن يحتكر الحق والقدرة علي التفكير في مصلحة البلد ومستقبله, وأن هناك كتلة ضخمة في أنحاء البلاد تشعر وتفكر وترفض وان كانت صامتة انتظارا لتحقيق الوعود بالتغيير, فان للصمت والانتظار وللصبر نهاية, وعلي الذين رفضوا الاستماع اليهم, أو تعالوا عليهم, أو قللوا من قيمة مشاعرهم وأحلامهم عليهم أن يدركوا الحقيقة اليوم.. وتعلمنا من الشباب أن خطوات كثيرة للاصلاح كنا نظن أنها تحتاج إلي عشرات السنين لكي تتحقق أمكن تحقيقها في أيام معدودة والبقية تأتي.
ويعلمنا الشباب أنهم لم يقعوا في دائرة الغرور بما حققوه من انجازات كانت تبدو مستحيلة أو بعيدة المنال, وأنهم ليسوا جيل المظاهرات والاعتصامات فقط ولكنهم قادرون علي الحوار بوعي ونضج ظهر في أحاديثهم وحواراتهم. واثبتوا خطأ الذين قالوا إن هذا الشباب يعرف ما يرفضونه ولا يعرفون ماذا يمكن عمله, فقد أثبتوا أن لديهم رؤية واضحة للاصلاح ولمستقبل بلدهم.
بقي أن يتفق الشباب علي من يمثلهم لتكون لهم قيادة موحدة, فليس من المنطقي أن يكون هذا التجمع الشعبي الكبير الواعي غير قادر علي افراز قيادة تتحدث باسمها وتعبر عن ارادتها, وليس لهذه القيادة امتيازات فهذه ثورة علي الامتيازات والرشوة, ولكن ستكون عليها مسئولية التعبير عن ارادة الشباب, لأن الهتافات واللافتات لا تكفي بدون بلورة المطالب والدفاع عنها.