حقيقـــة الإرهـــاب

أعتقد أن الذين يرفضون نظرية المؤامرة ويسخرون ممن يؤمن بها عليهم الآن أن يراجعوا أنفسهم‏.‏فالخبراء‏,‏ وعلماء الاجتماع والسياسة نبهوا منذ سنوات إلي أن الإرهاب يعمل بسياسة النفس الطويل‏,‏ وعلي الرغم من حملات الأمن فإن الإرهاب لم يتراجع عن هدفه وهو إرباك المجتمع‏.


وشغل المواطنين عن سعيهم لبناء بلدهم‏,‏ وتشتيت اهتمام أجهزة الأمن‏,‏ واستنزاف قوي الدولة‏,‏ وتحقيق خسائر في الأرواح‏,‏ وإثارة المشاعر الطائفية‏,‏ وإيجاد عداوات بين أبناء الشعب الواحد‏.‏ أما وسيلة الإرهاب لتحقيق ذلك فهي ما نراه من هجمات سريعة مفاجئة علي مواقع حساسة بحيث يكون لها دوي إعلامي وتجد فيها جماعات وأقلام وأفواه معينة فرصتها لتنهال بمعاول الهدم وإثارة الإحباط واليأس في النفوس‏,‏ ومن الملاحظ أن عمليات الإرهاب ليست عمليات فردية أو عشوائية‏,‏ ولكنها عمليات تتم بوسائل وبأساليب متماثلة دليلا علي وجود مخطط للإرهاب علي المدي الطويل‏,‏ ووجود العقل المدبر وراء كل هذه العمليات‏,‏ وليس من الصعب إدراك ذلك‏,‏ وإن كان من الصعب النيل من هذا العقل المدبر‏.‏

وإذا طرحنا السؤال التقليدي‏:‏ من المستفيد من الإرهاب فسوف نجد أطرافا عديدة من المستفيدين منه‏,‏ وليس من الصعب أن ندرك أن هناك من يستفيد من هذه المحاولات المتعددة بهدف تمزيق المجتمع وتفكيك طبيعته المتماسكة‏,‏ وإنهاك الاقتصاد المصري‏,‏ والإساءة إلي النظام‏,‏ وليس من الصعب أن يدرك كل من له عقل أن هناك أطرافا خارجية وأطرافا محلية تستفيد من المناخ الذي يسهل استقطاب شباب حائر وتحويلهم إلي أداة هدم لمجتمعهم وتصديرهم لهدم مجتمعات أخري‏,‏ وهناك حضانات للإرهاب والعنف بعضها معروف في بلدان بعينها‏,‏ وبعضها مجهول في بلدان أخري‏,‏ وفي هذه الحضانات تجري علي أيدي الخبراء عمليات غسل المخ والتدريب والتمويل والتخطيط‏.‏

وليس من الصعب إدراك أن هناك قوي كبري لديها استراتيجية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يتفق مع مصالحها‏,‏ وإلي تمزيق الدول العربية والسيطرة علي مصادر الثروة وعلي الأموال العربية‏,‏ وأكثر من ذلك تحاول كسر الإرادة العربية والإرادة المصرية بوجه خاص‏,‏ وليس من الصعب ملاحظة الضغوط السياسية الخارجية‏,‏ والضربات الأمنية والاقتصادية المتتالية كلما نجحت مصر في تحقيق خطوة علي طريق‏,‏ وكلما نهضت مصر للقيام بدورها القيادي‏.‏ وفي الذاكرة تصريحات رؤساء الولايات المتحدة بأن لأمريكا مصالح في العالم كله‏,‏ وأن القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون قرنا أمريكيا‏,‏ وأن ذلك يقتضي أن تفتح كل الدول الأبواب لصادرات وسياسات الولايات المتحدة‏,‏ وأن تحارب لها معاركها‏..‏ ولا يستطيع أحد أن يتغافل عن الجواسيس الذين سقطوا والذين سيسقطون‏..‏ كذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن الإرهاب يستفيد من المناخ العام الذي يصنعه تيار الإسلام السياسي وتيار الكراهية السياسية والهدم السياسي‏,‏ ولا نقول المعارضة السياسية الشريفة والنزيهة‏,‏ وأيضا لا ينكر أحد أن أحداث العنف في صورها ودرجاتها المتعددة تهدف في النهاية إلي زعزعة الأوضاع الداخلية في البلاد‏.‏

وعقب الحادث الإرهابي الأخير في الإسكندرية ظهر للعالم أن مصر بخير‏,‏ وأن قوي الشر لا تستطيع أن تنال من وحدتها وصلابة شعبها‏,‏ ربما يثير في نفوس أعدائها الشماتة والسرور المعلن أو الخفي بعد كل حادث يصيب مصر بشر‏,‏ ولكن في النهاية فإن قوي الخير تنتصر علي قوي الشر‏,‏ ولو كره الشامتون‏!.‏

ولا يخفي أن هناك من يستثمر هذه الأحداث الإرهابية‏,‏ وهناك من يتسلي بأحزاننا‏,‏ وهناك من ينافق فيظهر التعاطف أو الغضب لما يحدث لنا‏,‏ وهناك من يأملون في أن يؤدي توالي الضربات إلي استسلام المصريين وقبول الهزيمة‏,‏ والهزيمة النفسية والمعنوية أشد وطأة من الهزيمة العسكرية‏,‏ وهناك ـ طبعا ـ من يريدون أن تنجح استراتيجية الفوضي الخلاقة وتنهدم البلد علي من فيها وتبقي الأطلال والأنقاض ليعيث فيها الجرذان والشياطين وأعوانهم‏..‏ وهناك ـ طبعا ـ دعاة الهزيمة والمهزومون ومن لديهم استعداد لتقبل الهزيمة ممن فقدوا الوعي والقدرة علي المقاومة‏,‏ وهناك الطابور الجاهز لنشر اليأس والإحباط وبعضهم لديه الوسائل لذلك مع الأسف ـ بالقلم أو بالإنترنت أو بالفضائيات‏,‏ وهم لا يظهرون بوجوههم الحقيقية ولكن يظهرون وعلي وجوههم أقنعة مزيفة يخفون خلفها ما في نفوسهم‏,‏ وتنطق ألسنتهم بالكذب ويدعون أنهم يمثلون الواقعية ويريدون منا أن نصدقهم بأنه لا جدوي وليس أمامنا إلا الاستسلام‏,‏ ولكن وعي الشعب قادر علي إسقاط الأقنعة وكشف حقيقة الوجوه القبيحة‏,‏ والمثقفون ـ طبعا ـ في الطليعة والوعي بما يجري تحت السطح ومن وراء الستار وعبر الحدود‏..‏ والله يحفظ مصر وشعبها دائما‏.‏

والأمر يقتضي مزيدا من اليقظة والجهد من الأمن‏,‏ بل من الدولة كلها‏,‏ ومن المثقفين بوجه خاص لإفشال هذا المخطط الذي لن يكتب له النجاح مهما يفعل‏.‏


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف