إرادة وإدارة التغييـــــر

بعد معركة الانتخابات ـ بكل ما حدث فيها ـ نحن أمام مجلس شعب جديد عليه أن يعمل مع الحكومة ـ الحالية أو القادمة ـ علي تحقيق الأمل في التغيير وفي النهاية فإن الانتخابات ليست هدفا في ذاتها ولكنها وسيلة‏,‏ ووجود مجلس شعب.


 ليس هو الاخر هدفا في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتحقيق التغيير المأمول‏.‏ وحتي هذا التغيير أيضا ليس إلا وسيلة والهدف هو تحسين حياة الملايين من المواطنين وليس تحسين دخول مجموعة أو فئة أو فئات منهم‏.‏

ولأن التغيير هو مطلب الشعوب وليس مطلب الشعب المصري وحده أو مطلب الشعوب العربية وحدها بل هو مطلب الشعوب في العالم‏,‏ فقد اكتسح باراك أوباما انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة بالتزامه أمام الشعب الأمريكي بتحقيق التغيير وقبل ذلك اكتسح بيل كلينتون انتخابات الرئاسة ببرنامجه الشهير الناس أولا‏.‏ والشعاران معا هما مفتاح النجاح لكل نظام وكل حكومة وكل وزير وكل محافظ‏,‏ التغيير من أجل الناس ولمصلحة الناس ولتحسين أحوال الناس‏.‏

ومع أن ذلك يبدو أمرا بديهيا إلا أنه من أصعب الأمور في التنفيذ‏,‏ لأن هناك دائما من يرفض ويقاوم التغيير بهذا المعني‏,‏ ويشعر بالقلق كلما وجد الأمور ممكن ان تصير مختلفة عما هو قائم ليستمر في الاستحواذ علي ثمار التنمية وجهد الشعوب‏.‏

فالتغيير يحتاج أولا إلي إيمان حقيقي بضرورته وبعدم الاستسلام للأمر الواقع‏,‏ ويحتاج أيضا إلي إرادة وإصرار‏(‏ إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏)‏ ولا يتحقق دفعة واحدة ولكن يتحقق بناء علي تفكير مسبق بين كل المشاركين في تنفيذه‏,‏ وإذا كان التغيير يمس مصالح الناس فلابد أن يعرض عليهم المقصود منه ومراحل تنفيذه‏,‏ فإذا وافق الناس علي هذا البرنامج كان ذلك ضمانا لمشاركتهم وتعاونهم في تحقيقه‏,‏ وإذا تم التغيير بدون اتفاق وتوافق شعبي فسوف يجد معارضة‏,‏ أو تباطؤا أو حتي هدم لما يتم بناؤه‏,‏ وفيما بعد يتم التراجع عما تحقق والعودة إلي ما كان عليه الحال من قبل‏,‏ وربما العودة إلي ما هو أسوأ‏,‏ والأمثلة علي ذلك كثيرة في الماضي والحاضر‏.‏

والتغيير قد يكون حقيقيا‏,‏ وقد يكون مجرد تغيير شكلي لا يمس الأساس والجوهر‏,‏ ومثل هذا التغيير الخارجي في الواجهة ليس تغييرا ولكنه إيهام بالتغيير‏,‏ وإذا صدقه بعض الناس فلن يصدقه كل أو معظم الناس‏,‏ وسوف تنكشف حقيقة زيفه للجميع بعد ذلك‏,‏ وإذا تم اقناع الناس بطرق احتيالية بأن هذا التغيير لصالحهم فسوف يدركون الحقيقة‏,‏ ولو بعد حين وتنتج عن ذلك فجوة تصديق يصعب ـ وقد يستحيل ـ ترميمها‏..‏ ولكي يتجاوب الناس مع الدعوة للتغيير‏,‏ لابد ان يكون الهدف من التغيير واضحا لأن الناس لا تؤيد دعوة غامضة‏,‏ ولا تستجيب لشعارات ليس لها مضمون واضح وبالتفصيل‏..‏ التغيير المطلوب ليس مجرد زيادة أعداد الكمبيوتر ومستخدمي الانترنت والتليفون المحمول وملاك السيارات‏,‏ انه تغيير حضاري ونقل المجتمع من حال السكون الي حال الحركة‏,‏ من الجمود الي التقدم‏..‏ من الجهل الي العلم‏..‏ من الاستهلاك الي الانتاج‏..‏ وإيجاد قيم جديدة تؤمن بالعمل وبالانتاج وبضرورة تحسين حياة الناس‏..‏ والسلطة لا تنجح في إدارة التغيير الا إذا كانت سلطة مستمدة من قبول الناس لها‏,‏ ولا يتحقق القبول الا باحترام الرأي العام‏,‏ وبالالتزام بالقانون دون انحراف عنه ولو قيد أنملة‏.‏

ونجاح عملية التغيير يتوقف علي كفاءة التواصل من أعلي إلي أسفل ومن أسفل إلي أعلي‏,‏ بحيث تداوم القيادات علي شرح الأهداف والوسائل للقاعدة‏,‏ وتكون أمام القاعدة الفرصة للتعبير عن آرائها ومطالبها بصراحة ـ وبدون نفاق أو موافقة هي في حقيقتها استسلام ـ فإذا تعطل الاتصال أو كان في اتجاه واحد ـ من القمة الي القاعدة فقط ـ فإن عملية التغيير معرضة لنكسة في أي مرحلة‏,‏ ونجاحها متوقف علي المصارحة ـ ولا أقول الشفافية لأنها اصبحت كلمة مستهلكة وفقدت دلالتها وتحولت الي كلمة بلا مضمون ولا تلقي التصديق‏..‏ والتغيير لا يتحقق إلا بالعمل الذي يلمس الناس نتائجه بصرف النظر عن كثرة الاجتماعات والجولات‏,‏ فالمسألة ليست نشاطات ومجهودات ولكنها مسألة نتائج‏,‏ وكما كان يقول الدكتور سيد الهواري استاذ الإدارة الاستراتيجية عن الوزراء الذين يقودون التنفيذ في عملية التغيير‏:‏ ليس المهم ان يكون الوزير حاصلا علي الدكتوراة ولا يخشي المعارضة ويهاجمها قبل أن تهاجمه‏,‏ ولا انه دؤوب في العمل ويسهر الليالي في مكتبه‏,‏ هكذا تتدفق الخواطر أمام مجلس شعب جديد قيل عنه الكثير ولم يعد أمامنا إلا انتظار ما سيحققه لكي نحكم له أو عليه‏,‏ فهو مجلس في اختبار شعبي كان الحزب الوطني قد استحوذ عليه فسوف نري ان كان ذلك لصالح الشعب‏,‏ ونتيجة الاختبار لا تحددها الأقوال والتصريحات ولكن تحددها النتائج‏,‏ وهذا المجلس ـ وكل عضو فيه ـ هو منذ الان تحت رقابة شعبية علي الاداء العام‏,‏ وعلي السلوك الشخصي ايضا‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف