قضايا المرحلة المقبلة

كعادته كان الرئيس حسني مبارك صادقا مع شعبه حين أعلن أن الانتخابات الأخيرة جرت وفقا للقانون في غالبية الدوائر وأن بعض الدوائر شهدت اللجوء الي العنف والترهيب أو شراء أصوات الناخبين بالمال‏,‏ وأدان الرئيس هذه السلوكيات بما يعني أن علاجها سوف يكون أيضا وفقا للقانون‏.‏


القضية الأولي في المرحلة المقبلة هي الالتزام بالدستور الذي ينص علي أن مصر دولة مؤسسات مما يؤدي الي الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات بحيث لا يتحول مجلس الشعب‏,‏ وهو سلطة التشريع والرقابة علي أعمال الحكومة بأغلبيته الساحقة من الحزب الوطني الي لجنة من لجان الحزب‏,‏ وقد أعلن البعض مخاوفهم من توحد الحزب والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية علي حساب هذا المبدأ الدستوري‏,‏ والقضية الثانية هي الالتزام بما طالب به الرئيس مبارك الأعضاء الجدد بأن يكون كل تشريع وكل قرار وكل أعمال الحكومة لصالح الشعب وبالذات لصالح محدودي الدخل‏,‏ مما يعني ان يسهم القادرون في جهود التنمية والإصلاح الاجتماعي لصالح محدودي الدخل والفقراء‏,‏ ويعني أيضا ان تشمل الرقابة البرلمانية مقاومة الاسراف الحكومي ومظاهر الاحتفالات المظهرية والفساد بكل صوره ومستوياته‏.‏

ويجب علي كل عضو من أعضاء المجلس ان يظل حريصا علي تنفيذ توجيهات الرئيس وان يعود الي توجيهات الرئيس الي المجالس السابقة لكي يكون العمل مستمرا ومسترشدا ببوصلة واحدة‏,‏ ومن هذه التوجيهات ان يكون العمل بروح الفريق وليس بروح الفصائل والقبائل والشلل‏,‏ وان ينزه العضو نفسه عن استغلال موقعه لتحقيق مصالحه الشخصية ويتغلب علي مطامعه‏,‏ ويحرص علي الفصل بين العلاقات الشخصية وعلاقات العمل والمصلحة العامة‏,‏ فلا يكون في ادائه مكان للصداقة أو القرابة أو المجاملة علي حساب المصلحة العامة‏,‏ وأن يضع أمام عينيه دائما مبدأ المساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم لأي سبب‏,‏ والعمل علي إعادة الهيبة والاحترام والتعفف الي العمل العام لكي يكتسب احترام الشعب‏,‏ والبعد عن مواطن الشبهات هو المبدأ الذي تتحقق به الطهارة للعمل العام وللعاملين في مجالاته‏.‏

والقضية المحورية التي يقاس بها نجاح أو فشل السياسات والقائمين علي تنفيذها هي قضية العدالة الاجتماعية بمعني أن يكون أي قرار محققا لصالح جموع المواطنين وليس لمصلحة مجموعة أفراد ولا يتحقق صالح المواطنين الا إذا كانت السياسات والقرارات تؤدي الي تيسير سبل حياتهم‏,‏ وتحسين مستوي معيشتهم‏,‏ وإلي تحقيق شعار التكافل الاجتماعي في الواقع‏,‏ وإلي مراعات البعد الاجتماعي في كل خطوة وأن تكون الأولوية لتنمية المناطق المحرومة في الريف والصعيد والعشوائيات والمناطق الشعبية المحرومة من ضروريات الحياة‏.‏

وإذا كانت مهمة السلطة التشريعية تشمل مناقشة مشروعات القوانين والرقابة علي أعمال الحكومة فإن واجبها الاساسي ان تكون شديدة الحرص علي كرامة المواطن وأمنه ولا تتهاون في ذلك قيد أنملة‏,‏ وبعد ذلك تأتي القائمة المعتادة التي يتم ترحيلها من مجلس الي مجلس مثل قضية زيادة السكان ومخاطرها علي المستقبل‏,‏ ومشاكل الأسرة المصرية‏,‏ وحماية الصناعة المصرية أمام خطورة تدفق السلع المستوردة الكمالية والترفيه بدون حساب واستنزاف موارد البلد فيما لا يفيد التنمية‏,‏ ومثل قضية بطء التقاضي المزمنة التي لم تنجح الحلول الجزئية والمؤقتة في حلها ووصول العدل والحق الي المواطن دون عوائق وبدون وقوفه السنوات الطوال علي أبواب المحاكم‏,‏ ومثل التنمية التكنولوجية التي لم يتحقق منها إلا القليل‏,‏ وتحديث مؤسسات البحث العلمي‏,‏ وإعادة بناء نظم التعليم وليس اصلاحها وتطويرها ـ لتقريب الفجوة بين مستوي خريجي المدارس والجامعات المصرية ومستوي نظرائهم في الدول المتقدمة وحتي في الدول النامية مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وغيرهما‏.‏

ولاتزال قضية الإصلاح والتغيير مطروحة ولها الأولوية في برنامج العمل الوطني لهذه المرحلة مما يدعو الي السير بخطوات أوسع وأسرع لتنمية الاقتصاد القومي وتحسين الخدمات والبنية الأساسية‏,‏ وفتح الطريق أمام المبادرات الفردية والقطاع الخاص دون ان يعني ذلك ترك البلاد سداح مداح للقطاع الخاص دون رقابة أو حساب‏,‏ واغفال الضمانات التي تكفل عدم الاستغلال وعدم السماح بانفراد الاحتكارات بمقدرات الشعب وضرورات حياته‏,‏ وإلي جانب كل ذلك لا يمكن إغفال أهمية الاصلاج السياسي فإن هذه المرحلة تستلزم السير بخطوات واسعة وواثقة نحو المزيد من الممارسة الديمقراطية الصحيحة وإعطاء المزيد من الضمانات القانونية والعملية للتعددية السياسية وحرية الصحافة ومؤسسات الفكر والبحث العلمي‏.‏

وبذلك يتحقق الأمل في أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة إصلاح حقيقية‏.‏

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف