كما هو المتوقع, فإن فضائح إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش يكتشفها العالم يوما بعد يوم, وقد تكفل موقع ويكليكس الالكتروني بالنصيب الأكبر من هذه المهمة, فأزاح ستار السرية الذي كان يخفي الأسرار والفضائح التي كانت إدارة بوش تظن انها ستبقي خافية لعشرات السنين بعد ان تتغير الظروف والأشخاص والمصالح.
لكن موقع ويكليكس كشف الكثير من الأسرار في الدفعة الأولي, فظهر للعالم الوجه الأمريكي القبيح في العراق وأفغانستان, وتبين بالدليل القاطع كذب الادعاء بأن الغزو الأمريكي لهما كان من أجل الديمقراطية ولم يحقق شيئا منها سوي الشكل والمظهر والتصريحات.. ثم تأتي الدفعة الثانية لتضيف ما يفوق التصور عما كان يجري في الخفاء من التصرفات السياسية غير الأخلاقية وتكشف حقيقة ان السياسة الأمريكية تفعل بعيدا عن العيون ما تخجل من إظهاره والتصريح به في العلن, وأن إدارة بوش كانت بوجهين.. وجه يظهر في الخطب والتصريحات يتحدث بلسان الرئيس المؤمن الذي يحيا في المسيح ويعمل لتحقيق رسالة إلهية لإنقاذ الشعوب من القمع والحكم الدكتاتوري وحياة الفقر, ووجه لتدبير المؤامرات والتجسس ودعم الدكتاتوريات.
وهذا ما جعل الحكومة الأمريكية في حالة من الهلع والانزعاج لما سيصيب صورة أمريكا وما يمكن أن يصيب الأمن القومي الأمريكي من أضرار, وما يترتب علي كشف الأسرار من حرج للعديد من الدول والقادة, وهذا ماجعلها تهدد صاحب الموقع باتخاذ الاجراءات لمحاكمته ومحاكمة كل من شارك في تسريب هذه الوثائق البالغة السرية.
وعبر صاحب الموقع عن شعوره بأن حياته مهددة ولذلك يختفي في مكان غير معلوم, وقد تعرض الموقع للاختراق والتخريب حتي من قبل النشر, ولم يمنع ذلك من تسريب بعض الوثائق الي الصحف العالمية الكبري أشارت الي بعضها, ووصف معلقون اسرائيليون هذه الوثائق بأنها متفجرات سياسية.
ومما نشر يتكشف أن الإدارة الأمريكية طلبت التجسس علي السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون ومساعديه والتجسس أيضا علي مندوبي الدول في المنظمة الدولية, وقامت بنقل المعتقلين لاستجوابهم تحت التعذيب في دول صديقة لأمريكا تمارس التعذيب المحظور في أمريكا وفقا لقوانينها, ومن أخطر ما في هذه الوثائق أن إدارة بوش كانت تجند صحفيين وحقوقيين وناشطين سياسيين وأصحاب مدونات الكترونية وتمدهم بالأموال لتنفيذ مخطط الفوضي الخلاقة في بلادهم, كما تكشف الوثائق عن مواقف وتعهدات بعض قادة الدول بخلاف ما يعلنونه لشعوبهم من آراء ومواقف في القضايا الحساسة مما يدل علي أن إدارة بوش كانت تتعامل مع هؤلاء القادة علي مستويين, مستوي معلن لتغطية الدعايات السياسية ومستوي سري يمثل المواقف الحقيقية, وتكشف الوثائق ايضا ان ادارة بوش زرعت عملاء في العديد من الدول وحتي في اسرائيل وانها تجسست علي حماس والسلطة الفلسطينية, وانها ساعدت انفصاليين اكرادا في العراق للقيام بعمليات عسكرية في تركيا, فضلا عن اضافة ادلة جديدة علي جرائم الحرب الأمريكية في العراق وافغانستان التي تفوق كل ما قيل عنها وبتعليمات من واشنطن وليست تصرفات فردية, وتؤكد الكذب الذي أدمنه بوش حتي آخر لحظة من حكمه حين قام بزيارة مفاجئة للعراق أعلن فيها ان العراقيين يشعرون الآن بنعمة المجتمعات الحرة, وتجاهل التقرير الحكومي الذي نشر قبل ذلك في واشنطن أن ادارة بوش ضالعة في عمليات فساد وتزوير كبري في العراق بما يزيد علي مائة مليار دولار ومنها مبالغ كبيرة مخصصة لإعادة إعمار العراق, وكان هذا التقرير من513 صفحة, ونشرت موجزا له صحيفة نيويورك تايمز وفيه ان الحكومة الأمريكية أنفقت تحت بند الإعمار117 مليار دولار منها50 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة و77 مليار دولار من الأموال العراقية ولم تتجاوز عملية الإعمار ترميم بعض ما دمرته القوات الأمريكية, وان جيمس بيكر كان رئيسا لشركة كارليل وطالب الحكومة العراقية بدفع مليارات العراق كتعويضات عن الخسائر التي لحقت بالشركة نتيجة غزو العراق للكويت وحصل علي عقد يخول لشركته المطالبة بهذه التعويضات مقابل ان يدفع بضعة ملايين!
ولايزال الوقت مبكرا للتعرف علي كل ما جاء في وثائق ويكليكس, نظرا لضخامة عددها3 ملايين وثيقة, وصادرة عن السفارات الأمريكية في جميع انحاء العالم, وقد وصف وزير الخارجية الايطالي نشرها بأنها سيؤدي الي زلزال في الدبلوماسية العالمية لا يقل في نتائجه خاصة أن فيها تقارير عن تحليل شخصية عدد كبير من القادة والزعماء, ورأي الإدارة في كل منها وهذه الآراء سيؤدي كشفها الي أزمات سياسية ومشاكل للإدارة والدرس الكبير الذي لابد ان يستوعبه السياسيون بعد ذلك هو عدم جدوي النفاق السياسي, ففي عصر زوال الحدود وسهولة الحصول علي المعلومات وتداولها فإن كل ما هو في الخفاء اليوم سيصبح في العلن غدا.