أيام في لندن‏ 2

لندن مدينة لها مذاق خاص يميزها عن بقية المدن الأوروبية‏,‏ البعض يقول إن باريس هي أجمل المدن‏,‏ وهي كذلك‏,‏ ولكن الفرنسيين لا يحبون الأجانب خصوصا اذا كانت ملامحهم عربية ومظهرهم يدل علي أنهم مسلمون‏.‏


وفي لندن تري السيدات المسلمات في كل مكان بالحجاب والخمار وأيضا بالنقاب دون مشاكل‏,‏ وتري رجالا بالسراويل الباكستانية والجلباب العربي القصير والذقون الطويلة دون أن يثير مظهرهم أحدا‏,‏ في لندن تشعر بعد أن تجتاز مكتب الجوازات في المطار أنك إنسان حر‏,‏ لك كرامة ولك حقوق حتي لو خالفت القانون‏(!),‏ لا يسألك أحد من أنت‏,‏ ولا ما جنسيتك أو ديانتك‏,‏ أو يطلب منك إبراز إثبات شخصية‏,‏ فليس في بريطانيا بطاقة شخصية أو عائلية‏,‏ وعندما فكرت الحكومة السابقة في إصدار بطاقات هوية للمواطنين هبت عليها عاصفة من النقد والرفض‏,‏ واعتبر البريطانيون أن ذلك ضد الحرية الشخصية‏,‏ وصدرت كتب وأبحاث عن جامعة لندن أثبتت أن التكلفة تبلغ مليارات ولن تضيف هذه البطاقات شيئا‏.‏

وبريطانيا فخورة بأنها بلد متعدد الديانات والثقافات‏,‏ وأن فيها كل العقائد السماوية وغير السماوية‏,‏ وليست هناك قيود علي بناء دور العبادة‏,‏ وتلمس فيها التطبيق العملي للمبدأ الإسلامي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‏..‏ وليس غريبا أن تجد بعض المسئولين الحاليين والسابقين بملابسهم الأنيقة وربطة العنق والأحذية اللامعة وهم يسيرون بين الناس‏,‏ ويركبون المترو‏,‏ ويتجولون في المحلات والسوبرماركت‏.‏

الناس يقرأون دائما وفي كل مكان تقريبا‏,‏ في المترو‏..‏ وفي الحدائق‏..‏ ويلفت نظرك أن الشباب أيضا يقرأون‏..‏ وفي كل حي أكثر من مكتبة عامة مفتوحة لكل من يريد دون أن يسأل أحد عن الاسم أو العنوان‏..‏ ولكل سكان الحي أن يستعيروا أي عدد من الكتب‏..‏ وعلي كل مائدة كمبيوتر وانترنت لاسلكي مجانا‏,‏ وركن خاص للأطفال فيه كتب تناسبهم وأفلام جذابة‏(‏ فيديو وسي‏.‏دي‏)‏ وألعاب خفيفة‏,‏ أما مكتبات بيع الكتب مثل سلسلة مكتبات‏(‏ ووتر ستون‏)‏ فهي منتشرة في أحياء كثيرة‏,‏ يمكنك أن تدخل فتجد مقاعد مريحة وبوفيه تشتري منه القهوة والشطائر ثم تختار ما تشاء من الكتب وتجلس مسترخيا وتقرأ كما تشاء وتشتري الكتاب اذا كنت تحتاج الي اقتنائه أو تخرج بعد قراءته دون أن يسألك أحد شيئا‏,‏ لأنك لن تشتري إلا الكتاب الذي تحتاج الي اقتنائه‏,‏ وأنت حر‏..‏ والمكتبة لا تغلف الكتب في أغلفة بلاستيك ولا تمنع القراءة المجانية‏,‏ وهي كسبانة في النهاية‏,‏ لأنك أصبحت من زبائن المحل واذا لم تشتر هذه المرة فقد تشتري في المرات المقبلة‏..‏

حضرت صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير في حي ريجنت مع آلاف المصلين من جميع أنحاء العالم الإسلامي تقريبا مع أطفالهم ونسائهم‏,‏ وفي هذا المسجد أقيمت صلاة العيد أربع مرات لاتاحة الفرصة للجميع بحسب ظروفهم ودون تزاحم‏,‏ وفي كل مرة كان الإمام من بلد إسلامي‏(‏ مصر ـ السعودية ـ المغرب ـ أندونيسيا‏)‏ يلقي الخطبة باللغة العربية ثم بالانجليزية‏,‏ وبرغم الزحام وصخب الأطفال لم أجد حشود البوليس حول المسجد‏,‏ فقط رأيت شرطيا واحدا يبتسم لكل من يمر أمامه ويقول له إيد سائيد‏(‏ عيد سعيد‏)..‏ وهناك عشرات المساجد وعشرات الآلاف من المسلمين يحملون الجنسية البريطانية وأبناؤهم يدرسون الدين الإسلامي في المساجد والمدارس الإسلامية‏,‏ وشكواهم هي عدم كفاية المساعدات من الدول الإسلامية بالمدرسين والكتب والأقراص المدمجة‏(‏ سي‏.‏دي‏).‏

أنت لا تلحظ وجودا مكثفا للبوليس في أي مكان وفي أي مناسبة‏,‏ ويمكنك أن تتحدث مع رجل أو سيدة البوليس فتلقي منهما مودة ورحابة صدر تدهشك‏,‏ ولكن اذا وقع شيء يستدعي حضور البوليس فسوف تجد البوليس فورا وتري قوة القانون‏,‏ وتري احترام الناس للقانون ولرجل البوليس‏,‏ وتعلم أن أفراد البوليس يخضعون لحساب عسير اذا تجاوز أحدهم ولو بكلمة تجرح مشاعرك‏(!).‏

لندن أصبحت بلد المظاهرات والاحتجاجات‏..‏ ضد الوجود العسكري البريطاني في أفغانستان‏..‏ وضد الوحشية الإسرائيلية والقتل والتدمير العشوائي للفلسطينيين‏..‏ وبعد أن قرر الأكاديميون في بريطانيا مقاطعة الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين قررت جمعيات المستهلكين مقاطعة السلع الإسرائيلية‏.‏

وكلام كثير عن حالة تأهب في أجهزة الأمن تحسبا لعمليات إرهابية وشيكة في لندن وفي بعض العواصم الغربية‏..‏ ومثل هذه الحالة تذكي الإسلاموفوبيا‏(‏ الخوف من الإسلام‏)..‏ وهذا الخوف موجود منذ التفجيرات التي قتلت عشرات البريطانيين والأجانب الأبرياء‏..‏ والإرهاب لا يخدم قضية بل يسيء الي أصحاب القضية ويجعلهم في عيون العالم مجرد عصابات من القتلة والمجرمين‏..‏ ويقول واحد من أساتذة جامعة لندن‏(‏ لماذا لا يفهم هؤلاء ما جاء في القرآن من أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا‏..,‏ وان جزاء من يفسدون في الأرض أن تقطع أيديهم وأرجلهم‏.‏

صحيح‏..‏ لماذا لا تتدبر جماعات الإرهاب ما في القرآن؟ ولماذا لا يدركون الأضرار والخسائر التي تلحق بالإسلام وبالمسلمين من هذا الإرهاب الذي لا يفيد؟‏!‏


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف