المصريون فى المرآة
محتويات الكتاب
لا يزال انشغالنا بالماضى أكثر مما يجب ، قليل منا ينظر الى الماضى فى غضب ، والكثيرون ينظرون اليه على أنه الفرودس المفقود ، ويجاهدون لاستعادته ولايعود، ولايريدون الشفاء من هذه الحالة النفسية والعقلية التى يسميها علماء الطب النفسى (عبادة الماضى ) أو ( النكوص)0
وهذا الكتاب هو قراءة للحاضر للانطلاق الى ، وأريد به أن اسغل القارىء معى بالنظر ، والتأمل ، فى أحوالنا الآن بما فيها من سلبيات وايجابيات ن دون أن يقع فى شراك التشاؤم أو التفاؤل المفرط وغير العقلانى0
أريد أن أوجه نظر أنصار عبادة الماضى الى أن الحفاظ على الهوية والشخصية القومية ، والحرص على التراث وامجاد الامس ،لا يستلزمان أن ننتقل نحن من عصرنا وعالمنا لنعيش فى عصر انتهى ، وحضارة مرت عليها قرون ، ولن تغنينا أمجاد الزمن الماضى الزاهر عن التحرك لصنع امجاد للزمن الحاضر 0
والزمن الحاضر الذى نعيش فيه الآن مختلف عن كل الازمنة الماضية اختلافا مذهلا ، والتغيير فى انجازات العلم ، وفى القيم ، والافكار،والسياسات ، يتم بسرعة الصاروخ ونحن نحلم بالزمن الذى كنا نتسابق فيه بالأبل ، بينما غيرنا وصلوا الى القمر ، واتجهوا الى كوكبى المريخ والزهرة ، ويقدمون كل يوم انجازا" مذهلا" يصعب تصديقه: فى علوم الطب ، والليزر ، والهندسة الوراثية، والالكترونيات 00كل يوم اكتشافات واختلااعات جديدة ، وكل افكار واحلام جديدة ، وكل يوم خطوات قربية من العدو للتقدم الى الامام ، فلماذا نفكر نحن فى العودة الى الوراء أو الوقوف فى المكان والزمان ، أو الاكتفاء بخطوات وهمية هى (محلك سر)00؟
لماذا لاننظر الى حاضرنا ، والى الواقع الذى نعيش فيه، لكى نغيره الى الافضل ، ولكى نعرف صورتنا الحقيقية ؟ لماذا لا ننظر الى أنفسنا فى مرآة صادقة ، لاهى محدبة ، فنرى انفسنا أقل أو أصغر من الحقيقة ، ونعيش فى الاوهام ، واحلام اليقظة 00؟
ولماذا ننشغل بقضايا فرعية ن أو بقضايا غربية ، أو جدلية ليس لها فائدة عملية ، ولا عائد لها الا تعميق الخلافات فيما بيننا ،وغرس العدواة ،واغراقنا فى موضوعات لايترتب عليها عمل مفيد ، ولا نتعلممن الامام مالك الذى كان يقول ) :لاأحب قولا ليس وراءه عمل )؟0
والحاضر الذى نعيش ملىء بالتناقضات والظواهر التى تستحق التأمل 00
فقد عاش المجتمع المصرى طوال القرن العشرين فى معارك متصلة للدفاع عن الاستقلال والكرامة من ناحية ، ولتأكيد الهوية المصرية العربيةالاسلامية من ناحية أخرى ؛ وللتفاعل مع العصر والدخول فى السباق الحضارى لتعويض ما ضاع منا من سنوات التخلف والظلام00
وفى نفس الوقت فنحن جزء من العالم ، وقد عاش العالم عدة ثورات وحروب ،كما شهد عدة انقلابات فى الفكر والعلوم ، وفى النظريات السياسية ونظم الحكم ، ومن الطبيعى ان يكون لكل هذه التغيرات آثارها على مجتعتنا شئنا أو لم نشأ ، وكانت للاحداث الداخلية الكبرى آثارها فى هذا التغير الاجتماعى والثقافى والاقتصادى والسياسى ، ابتداء من اصداء ثورة عرابى على الحكم الاستبدادى والاحتلال ، الى ثورة 1919 ، وقيام الرأسمالية المصرية ، الى ثورة 1952 ، بما طرحته من شعارات العدالة الاجتماعية ، وتقريب الفوارق بين الطبقات ، ومجانية التعليم ، وحق الفقراء فى الحياة والعمل والمسكن ، والقضاء على أعوان الاستعمار ، وسيطرة رأس المال على الحكم، ووضع مصر فى مكانها الصحيح فى العالم العربى 0
وخلال اقل من نصف قرن انتقلت مصر من الملكية الى الجمهورية ، ومن الاحتلال الى الاستقلال ، ومن النظام الراسمالى الى النظام الشولى ، ثم انتقلت مرة الى من الاستقلال الى الاحتلال الاسرائيلى بعد 1967 ، ثم عادت الى الاستقلال ،و انتقلت مرة أخرى من النظام الشمولى الى اقتصاد السوق ، ومن القطاع العام الى القطاع الخاص ، ومن التنظيم السياسى الواحد الى التعددية السياسية ، ومن المجتمع المغلق الى المجتمع المفتوح على العالم بالهجرة ،والتليفزيون ،والانترنت ،والسياحة00واصبح المصريون من الشعوب المصدرة للمهاجرين والسياح00
وعرفنا أمورا ومشاكل لم نكن نعرفها من قبل ، نتيجة التغيرات فى الاسرة ،وفى الشخصية المصرية ، وفى القيم الاجتماعية والاخلاقية والدينية ، وفى ترتيب هذه القيم فى سلم الاولويات00
ألا يستحق كل ذلك أن نتوقف لحظة لالتقاط الانفاس ، ولالقاء نظرة على ما حدث فى داخلنا ومن حولنا ، ورؤية أنفسنا بعيون مبصرة ، لنعرف أين نحن الآن ؟ 0 وكيف نعالجها ؟0
وما دام التغيير هو سنة الحياة والتطور محتوم فى الكون وفى البشر ، ولا شىء ثابتا أو باقيا على حاله الا الله سبحانه وتعالى 0 هو وحده الذى يغير ولا يتغير 00 ما دام كذلك فلماذا لانتعامل مع الحياة ، ومع المجتمع ، ومع أنفسنا بايمان ويقين بحتمية التغير والتطور ، وبقبول هذه الحقيقة الازلية الابدية وعدم الوقوف امام التقدم 00 وبدلا من رفض التغير والدعوة الى الجمود أو النكوص ، اليس الافضل ان ندخر قوانا لترشيد التغير وتوجيه مساره لما فيه صالحنا وخيرنا00؟
ما اريد أن أقوله : هو أننا يجب أن نعمل وبسرعة على أن نجعل عمليات التحول والتغيير فى مجتمعنا تتم بأمان ، وفى الاتجاه الصحيح ، ونتجنب ما حدث فى مجتمعات أخرى تركت التغير يجرفها كالسيل فانهارت السدود التى كانت تحمى المجتمع ، والمثال الاكبر لذلك ما حدث فى الاتحاد السوفيتى الذى ترك الامور تجرى فى أعنتها ،وترك التغيير يحدث عشوائيا ، وبقوة الدفع الذاتى للاحداث ،دون اعداد أو استعداد ، فكان كالزلزال ، وتهدمت اركان الدولة والمجتمع ؛ وكانت النتيجة ما رأيناه فى الاتحاد السوفيتى الذى كان القوة الاعظم الثانية فى العالم ،فأصبح مثلا للانهيار الاقتصادى الذى وصل الى حد المجاعات والاستدانة وقبول شروط صندوق النقد الدولى ، والانهيار الاجتماعى،ووصل الامر الى حد سيطرة الفساد والمافيا ،وهجرة العلماء والفنانين واصحاب المواهب والخبرات بحثا عن لقمة العيش فى أى دولة ،ولو كان الاتحاد السوفيتى خطط تخطيطا جيدا لضبط اتجاه التغيير وسرعته لما وصلت اليه الدولة ، والمجتمع الى هذه الدرجة من التفكك والانهيار التى لم يسبق لها مثيل 0
ونحن فى حال مختلف ن فالتغيير يتم بهدوء وتعقل ،ويسير بانضباط ، وامامنا فرصة العمر للاصلاح الشامل 0وانتقال المجتمع اقتصاديا الى
قيام القطاع الخاص بالدور الاكبر فى التنمية ، يعنى اعادة الاعتبار الى الفرد ،وتوسيع نطاق الحرية الفردية ، فى التملك والمبادرة وتحقيق مصالحه المشروعة وأحلامه ،ويتوازى مع حرية الفرد الاقتصادية تأكيد حريته السياسية : حرية الرأى 00 وحرية العمل السياسى ،وبذلك تتأكد المشاركة الشعبية وتزداد المؤسسات الدستورية قوة واستقلالا، ويتحقق التوازن بينها فى ظل سيادة القانون وحرية الصحافة0
ومن المهم فى هذه المرحله الا يشتد بنا الحماس للتغيير الى حد الاندفاع بسرعه غير محسوبة ، قد تؤدى بنا الى الانتقال من النقيض الى النقيض 00 فحرية الفرد يجب أن تكون محدودة بحدود ، حتى لا يتحول المجتمع الى غابة ، ولابد أن تكون هناك نقطة تعادل بين المصالح والقوى المختلفة ولابد أيضا من اقامة علاقة سوية بين الفرد والمجتمع بحيث لايكون أحدهما ضحية للآخر 0فلا نريد أن تصل حرية الفرد الى حد سيوع الانانية والفردية وتوحش الاقوياء بالسلطة أو بالثروة ، ولكيلا تنحرف السلطة وتنجنح الى التسلط فان (القانون) يجب أن يكون هو الحكم ، وهوالحاكم دون تفرقة بين القوى والضعيف، أو بين الغنى والفقير ، أو بين الحاكم والمحكوم ، بذلك نقيم ميزان العدل ، وتتحقق المساواة، ويتعمق الشعور بالامان فى نفوس الجميع0
وفى الولايات المتحدة وبريطانيا اتجاه جديد يسمى نفسه ( الطريق الثالث) بين الاشتراكية والرأسمالية ، وهو اتجاه يجمع بين حرية الفرد وحماية حقوق المجتمع ، ويؤمن بتوسيع دائرة الملكية ، ويرى فى ذلك ضرورة للاسنقرار السياسى ، والتماسك الاجتماعى نويعطى الناس فرصة تملك الاماكن التى يعيشون ويعملون فيها ،والسيطرة عليها ويرى أن وسيلة ذلك قد تكون تملك اسهم فى الشركات والهيئات التى يعملون فيها ،وبذلك
تتحقق (الديقراطية الاقتصادية ) والشركات فى نظرية (الطريق الثالث)
ليست فقط أداة لتحقيق أكبر قدر من الربح لاصحابها ،ولكنها تولد الثروة لخدمة مصالح حملة الاسهم نوالمستهلكين ، والعاملين فى نفس الوقت
وتدعو هذه النظرية الى ضمانات لتحقيق كل شركة لاهدافها الاجتماعية ، لكيلا يقتصر الهدف على الاهداف الاقتصادية وحدها ولذلك فأنها تشجع الملكية المشتركة فى صورة التعاونيات والاعمال الصغيرة ومنع المنافسة غير المشروعة من الشركات الكبرى وبذلك يتجاوز (0الطريق الثالث) الراسمالية والاشتراكية الى صيغة جديدة تحقق مصالح الفرد والمجتمع معا وتعمل على ازالة اسباب التوتر والصراع من المجتمع 0
وهكذا نرى أن العالم مشغول بالبحث عن صياغات جديدة تحقق حرية أكثر وعدالة أكثر وتوازنا اكبر ولكى ندفع التغيير عندنا فى مسار صحيص 00فان (المشاركة ) هى البداية 0المشاركة فى كل شىء 00 وهذا يعنى ان يكون المواطن المشارك ايجابيا ،ولديه الوعى السياسى والاجتماعى للتعامل بموضوعية وعقلانية مع القضايا العامة وهذا الوعى السياسى والاجتماعى للتعامل بموضوعية وعقلانية مع القضايا العامة وهذا المواطن يحتاج الى التربية السياسية منذ الصغر لكى يكتسب القدرة والخبرة والصلاحية للمشاركة بالراى والشاركة فى اتخاذ القرار وفى النشاط السياسى والاجتماعى بكفاءة0
وقبل أن نبحث فى (التغيير ) لابد أن نبحث أولا :من نحن؟
وتختلف اجتهادات الباحثيين الاجتماعيين فى الاجابة عن هذا السؤال وكل منهم يرسم صورة صورة للمصريين فى المرىة الخاصة به وفى ضوء منهجه وعلى سبيل المثال فان العالم الاجتماعى المعروف الدكتور أحمد خليفة حين يتحدث عن سمات الشعب المصرى ،يذكر أن أولها أنه شعب يقدس السلطة بكل اشكالها وقد تعلم الصبر والتحمل ومعايشة القوى الباطشة الى ان تزول ،كما اضافت خبرة القرون من ظلم الحكام (فجوة تصديق) وميل للسلبية واللجوء الى النفاق لتحقيق مزايا بغير جهد أو استحقاق0
والفساد أصبح الآن هو السوس الذى ينخر فى كل المجتمعات وليس هناك
بلد فى العالم لايعانى فى صورة ما وبدرجة ما ومن السهل أن نقول أن شيوع الفساد مثل شيوع الجريمة كلاهما جزء من الطبيعة البشرية ولكن علينا أن ندرك أن سلطة القانون اذا طبقت بالحسم ودون تفرقة بين قوى وضعيفوبالرقابة اليقظة فلن تدع السوس يسرى فى كيان المجتمع أو كيان المجتمع أو كيان أى منظة من منظماته 0
والعادة الصعبة فى كل دولة تطبق نظام الاقتصاد الحر هى: كيف يكون لرأس المال حرية العمل والربح دون ان يصل الى حد السيطرة عى مقدرات المجتمع والتحكم فيه؟ وكيف توضع ضمانات لكيلا يصل رأس المال الى الاحتكار او السيطرة على نظام الحكم أو استغلال العامال والمستهلكين ؟ وقد نجحت الولايات المتحدة وهى اكبر دولة رأسمالية فى العالم فى حل هذه المعادلة 0فلا احد يستطيع ان يتهرب من الضرائب مهما كانت قوتة السياسية او المالية ، ولا احد يستطيع ان يتلاعب فى التعاقدات الدولية مع الدولة واجهزتها فى توريدما تحتاج اليه ولا أحد يتهرب من مسئوليته الاجتماعية بالمشاركة فى كل ما يساعد المجتمع على تحقيق اهدافه 00 فمعظم الجامعات الكبرى والمدارس ومراكز البحث العلمى والمستشفيات والملاجىء ومشروعات رعاية المعوقين والشيوخ وغيرها يأتى تمويلها من تبرعات الكبار والصغار ومشاركتهم فعالة فى ادارة هذه المشروعات وتنميتها من وترقيتها .. ويكفى ان نشير الى ما قدمه بيل جيتس مالك شركة ميكرو سوفت للبرمجيات من تبرع لمشروعات الاطفال المعوقين وبلغ تبرعه سبعة مليارات دولار00وهكذا تفعل شركات فورد وجنرال موتورز وجنرال اليكتريك وآلاف الشركات المماثلة وهذا سر التقدم المذهل الذى يحققه المجتمع الامريكى فى مجالات العلوم والرعاية الاجتماعية0
هذا الكتاب ليس الا محاولة للتنبيه قبل فوات الفرصة 00لان القرن الحادى والعشرين يحمل معه طفرات واسعة فى كل مجال 00وسوف تكون صورة الحياة ومختلفة عن الحياة التى اعتدنا عليها ،كما ستكون المخاطر والحروب مختلفة اختلافا يجعل ما سيحدث فيها أكثر مما فى أفلام الرعب والخيال العلمى0
وصورة الحاضر لازمة للتشخيص وتحديد العلاج المناسب لكل امراض
المجتمع والعلاج ليس مسئولية جهة واحدة 00 ليس مسئولية الحكومة او الاحزاب أو المؤسسات الدستورية أو الموطنين 00 ولكنها مسئولية الجميع دون استثناء 00 مسئولية تضامنية 00 ولابد ان يقوم كل طرف بمسئوليتة كاملة 00 ولابد من فكر جديد 00 ورؤية جديدة 00 تزيد الحيوية فى أوصال المجتمع 00 من اجل اعادة بناء مؤسسات الدولة 00ومؤسسات البحث العلمى 00 ومؤسسات التربية ورعاية الشباب00
وأضيف الى ذلك الدور الكبير الذى يمكن أن يقوم به المثقفون فى قيادة
عملية التغيير وهذا هو دورهم الطبيعى وهذه مهمة صعبة 00 ولكنها فى حدود الممكن 00 اذا توافرت الارادة والعزيمة 00 واحسنا التفكير والتخطيط والعمل00
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
كيف سندخل القرن الحادى والعشرين؟
تحديات القرن الجديد
من (الفهلوى) الى (الهباش)
من الانغلاق الى الانفتاح الفكرى
الأنسان ذو البعد الواحد
جذور المشاكل
الفساد مثل الانفلونزا